منك فلما وقع بصري على الخط اختبرتها فلم أجد العدد فكملتها ظانًا ضياعها عندي فقال: يا سيدي لم أعط إلا خمسة وسبعين فرد الزيادة وشكره وحمد اللَّه على وجود مثله، وكان متمسكًا في أموره بالسنة راكبًا لأهلها كثير الاتباع شديدًا على أهل البدع ذا بأس وقوة في نصر الحق، لا تشاهد في فطره بدعة ولا أشرار الشريعة في غير محلها ولا يشوش على أحد ويزجر من أخذ فوق قدره، سأله بعض مفقهة عن تفضيل أبي بكر على عمر فزجره.
وكان يحضر مجلسه كبير وزراء الدولة فمال يومًا على بعض الأئمة فنظر إليه نظرة غضب وعنفه فسكت الوزير ولم يقطع المجلس، وقرأ عليه بعض الطلبة كتب الغزالي على وجه التجمل بها، فرأى الشيخ في المنام كأنه يضع كتبه في موضع قذر فتركه ولم يعد لتعليمه، وكان كثير التدبر للآيات والنظر في الملكوت بعبرة وفكرة، له كرامات كثيرة.
منها: أنه اشتد الغلاء بقسنطينة في محلة أبي عنان حتى بلغ الفول ثمانية بدرهم وعظم الحال فكانت تصله الكتب وفي عنوانها تدفع لسيدي أبي عبد اللَّه فإذا فتحها وجدها بيضاء فيها ذهب لا يعرف من أين هي فيستعين بها على شأنه حتى خلصه اللَّه.
ومنها: أنهم أتوا في واد حامل لا يجوزه إلا الفرسان، وكانت معه حمارة يحمل عليها فجازت مع الفرسان سالمة فنزلت المحلة قرب الوادي فاتفق ضرب خبائه بموضع مرتفع هناك، ففي نصف الليل جاء سيل عم المحلة وطلع في أخبيتهم وانهدت أبنية السهلطان فباتوا في أسوأ حال وهو في منزله لم يصله الماء، فكان السلطان ينظر إليه في تلك الحال ويقول: كيف علم بما يتفق الليلة ولم يعلمنا به، ولما وصل في تفسيره الأخير إلى قوله تعالى:{يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} مرض ثمانية عشر يومًا ثم مات ليلة الأحد رابع ذي الحجة متم عام أحد وسبعين، وحدّث الخطيب الصالح علي بن مزية والفقيه راشد وغيرهما أنهم رأوه حين موته كأنه يجلس من يدخل عليه فكانوا يظنونه الملائكة، وذكر ولده أبو يحيى أنه في مرضه قبّل المصحف ومسح به وجهه