بأصوله ومآخذه وعرف وجوه النظر فيها ونسبته إليها كالمجتهد المطلق في قواعد الشريعة كابن القاسم وأشهب في المذهب والموني وابن سريج في مذهب الشافعي وقد كان ابن القاسم وأشهب والشافعي قرؤوا على مالك، فأما الشافعي فترقى للاجتهاد المطلق فكان ينظر في الأدلة مطلقًا بما أداه إليه اجتهاده وابن القاسم فيقول: سمعت مالكًا يقول كذا أو بلغني عنه كذا وقال في كذا كذا، ومسألتك مثلها، فهذه رتبة الاجتهاد المذهبي.
وقد قال في غصب المدونة في الغاصب والسارق يركبان المغصوبة أو المسروقة بعد حكايته قول مالك ولولا ما قاله مالك، لجعلت على الغاصب والسارق كراء ركوبة إلى، فأنت ترى شدة اتباعه لمالك وتقليده له.
وأما مخالفته له في بعض المسائل كقوله: يتعين ثلاث بنات لبون في مائة وإحدى وعشرين من الإبل كقول ابن شهاب ومالك يخيره في ذلك أو حقتين، وفيمن قال لعبده أنت حر بتلا وعليك مائة دينار فقال مالك: هو حر ويتبع بها وابن القاسم لا يتبع بشيء كقول ابن المسيب وفي الغرماء يدعون على الوصي التقاضي يحلفهم مالك في القليل وتوقف في الكثير، ويحلفهم ابن القاسم مطلقًا كقول ابن هرمز وغيرها، فيحتمل أنه رأى أن ما قاله هو في هذه المسائل هو الجاري على قواعد مالك فلذا اختاره فلم يخرج عن تقليده فيها، ويحتمل أنه اجتهد فيها مطلقًا بناء على جواز تجزي الاجتهاد، وأما أصبغ فقال: أخطأ ابن القاسم لما رآه خالف فيها مالكًا أما لأنه رآه خارجًا عن أصوله وصريح قوله، وأما أشهب فالمحققون على أنه مقلد لمالك غير مجتهد، وقوله في مسألة من حلف بعتق أمته أن لا يفعل كذا فولدت بعد اليمين وقبل الحنث لا يعتقون معها قيل له: إن مالكًا قال: يعتقون معها قال: وإن قاله مالك فلسنا له بمماليك يقتضي اجتهاده، كما قال ابن رشد خلاف ما قاله الجمهور أنه مقلد له، فإذا تقرر هذا فالقولان لمالك الذي لم يعلم المتأخر منهما، ينظر مجتهدًا لذهب أيهما أجرى على قواعد إمامه وتشهد له أصوله فيرجحه ويفتي به.