وقال تلميذه أبو الطيب بن علوان: كان شيخنا ابن عرفة إمامًا علامة محققًا مفتيًا مدرسًا خطيبًا صالحًا حاجًا، فاز من كل فن بأوفر نصيب وحاز في الأصول والفروع السهم والتعصيب، رمى لهدف كل مكرمة بسهم مصيب وأطلعت سماء إفاداته ذراري علم عيشهم وإبل مرعاهم خصيب فمنفعته بعد موته دائمة وبركاته بعد وفاته وتلامذته وأوقاته قائمة جمع بين طرفي العمل والعلم وشغل أوقاته بخير، فليس وقت منها بهزل، أيامه صيام ولياليه قيام وركوع وسجود جاهد هجوم الليل وآثر السجود على النوم والهجود- اهـ.
وقال تلميذه الشمس بن عمار: اجتمعت به سنة ثلاث وتسعين وأخذ عنه المصريون وهو إمام حافظ وقته بفقه مذهبه شرقًا وغربًا، انتهت إليه الرياسة في قطره أجمع في الفنون والتحقيق والمشاورة مع خشونة جانبه وشدة عارضته وبراءته من المداهنة وحرز من المخاشنة- اهـ.
قال القاضي ابن الأزرق: حال الشيخ ابن عرفة في بلوغه أقصى مراتب الغاية العلمية لا ينكر ومقامه في المجاهدة العملية من أشهر ما يذكر، فقد أخبرني الفقيه القاضي الأجل خاتمة السلف أبو عبد اللَّه الزلديوي نزيل تونس مكاتبة قال: كان ابن عرفة في العلوم كما دلت عليه تآليفه فيها وفي العبادة بالمزية الأعلى قال: سمعت شيخنا الإمام المعظم قاضي الجماعة أبا مهدي الغبريني يقول: لا يرى ولا يسمع مثل سيدي الفقيه في ثلاثة أشياء الصيام والقيام وتلاوة القرآن إلا ما يذكر عن رجال رسالة القشيري فلا تراه أبدًا إلا صائمًا ويقرأ عشرين حزبًا في ساعة معتدلة وقيامه معلوم يقوم في جامع الزيتونة العشر الأواخر من رمضان في كل عام حتى عجز عنه قرب وفاته. قال الزلديوي المذكور: أول ما لقيناه عام ثلاثة وتسعين وله سبع وسبعون سنة وقرأنا عليه جميع صحيح البخاري بقراءة شيخنا قاضي الجماعة أبي مهدي المذكور وحضر هذه الختمة جميع أعلام تونس وعلماؤها وطلبتها صغارًا وكبارًا، وكانت من الغرائب قراءة عالم على عالم وهما علماء وقتهما، وذلك في رمضان