قلت: قوله: ولم يكن بالغرب من يجري مجراه!. . الخ يعني، واللَّه أعلم، بالنسبة لآخر عمره أو ببلاده افريقيا فقط، وإلا فقد كان بالمغرب الأوسط والأقصى والأندلس من هو مثله ومن لا يتقاصر عن رتبته فيما ذكر من جمعه وتحقيقه، فهذا الإمام الشريف التلمساني والإمام المقري والقاضي أبو عثمان العقباني في تلمسان، وشيخ الشيوخ أبو سعيد بن لب والإمام النظاري أبو إسحاق الشاطبي بغرناطة والإمام القباب بفاس، فهؤلاء أمثاله في علومه بلا شك، بل قال ابن مرزوق في حق الشريف أنه أعلم أهل وقته بإجماع، كما تقدم.
ونذكر ما وقع بين ابن عرفة وابن لب وكذا بينه وبين الشاطبي في المراجعات والأبحاث في عدة مسائل، نعم هؤلاء ماتوا قبله بزمن بل تأخر عن المقري بأزيد من أربعين عامًا وعن الشريف بأزيد من ثلاثين وعن ابن لب بأزيد عن عشرين، وكذا عن القباب وعن الشاطبي بأزيد من عشر سنين إلا العقباني وحده، واللَّه أعلم، نعم إنما فاقهم بتأليفه الفقهي، وقال البسيلي وغيره: مولده ليلة سابع وعشرين من رجب ستة ست عشرة وسبعمائة وتوفى يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادى الأولى عام ثلاثة وثمانمائة فعمره سبع وثمانون عامًا إلا نحو شهرين، وحبس قبل موته كثيرًا من الرباع، وتصدق قرب موته بمال كثير، وكان قدر تركته ثمانية عشر ألفًا ذهبًا دنانير ما بين عين وحلى ودرهم وطعام وكتب، وكان مجاب الدعاء، ومما رأيت من بركته إذا جلس قبالته في درسه فربما.
وأخبرني عم والدي الشيخ الصالح عبد العزيز البسيلي أنه رأى في نومه بعضر معاصريه وهو الفقيه المفتي القاضي أحمد بن حيدرة، وكان في نفسه منه شيء فقال له اطلب لي منه السماحة لأني رأيت له منزلة عظيمة عند اللَّه تعالى قال لي: نعم، فالتقيت بالشيخ ابن عرفة وأخبرته بذلك فقال لي: الملتقى بين يدي اللَّه تعالى، ولم يزد على ذلك- اهـ.
قال أيضًا: ومن نظمه قرب وفاته:
بلغت الثمانين بل جزتها ... فهان على النفس صعب الحمام