ووصف فنونه، فإليه الرحلة في رواياته وعليه المعول في حل مشكلاته وفتح مقفلاته.
وأما الأصول فالعضد ينقطع عند مناظرته ساعده والسيف يكل عند بحثه حده حتى يترك ما عنده ويساعده، والبرهان لا يهتدي معه لحجة والمقترح لا يقترح عنده بحجة.
وأما النحو فلو رآه الزمخشري لتجلجل في قراءة المفصل واستقل ما عنده من القدر المحصل أو الرماني لاشتقاق لفاكهته وارتاح واستجوى من ثمار فوائده وامتاح، أو الزجاج لعلم أن زجاجه لا يقوم بجواهره وأنه لا يجري معه في الفن إلا في ظواهره، بل لو رآه الخليل لأثنى عليه بكل جميل وقال لفرسان النحو: ما لكم إلى لحوقه من سبيل.
وأما البيان فالصباح لا يظهر له ضوء مع هذا الصبح، وصاحب الفتاح لا يهتدي عنده للفتح، وأما فهمه فعنه تنحط الشهب الثواقب وبمطالعة تحقيقاته يتحير الناظر فيقول: كم للَّه تعالى من مواهب لا تسعها المكاسب، إلى غيرها من علوم عديدة وفضائل مأثورة عتيدة.
وأما زهده وصلاحه فقد سارت به الركبان واتفق على تفضيله وخيرته الثقلان، هو فاروق وقته في القيام بالحق ومدفعة أهل البدع بالصدق، هو البحر بل دون علمه البحر، هو البدر بل دون فلقه البدر، هو الدر بل دون منطقه الدر. وبالجملة فالوصف يتقاصر عن مزاياه ويعجز عن وصفه ويتحاماه، فهو شيخ العلماء في أوانه وقطب الأئمة والزهاد في زمانه شهد بنشر أصبحت علومه العاكف والبادي وارتوى من بحر تحقيقاته الظمآن والصادي:
حلف الزمان ليأتينّ بمثله ... حنثت يمينك يا زمان فكفّر
وربك الفتاح العليم، غير أنه كما قيل: يا له من عالم وإمام جمع العلوم بأسرها ولكن بخسته الدار فاللَّه تعالى يرحمه ويرضى عنه وينفعنا به آمين.
وما قلناه من أوصافه فمما علم من حاله فلا يحتاج لنقله عن معيّن ومتى