فإذا وجدها أنكر على أهل داره وتغير كثيرًا، ويقبل عطية غيرهم ويدعو لهم.
وكان رفيع الهمة عن أهل الدنيا يتطارحون عليه فيعرض عنهم، أتى إليه ابن الخليفة يومًا ومعه عين فقبل يديه ورجليه وطلب منه قبوله، فتبسم في وجهه ودعا له وأبى، فلما أيس منه قال له تصدق بها يا سيدي على من شئت من الفقراء فامتنع منها مع ما جبل عليه من الحياء حتى لا يقدر أن يخالف الناس في أعراضهم أو يقابلهم بسوء.
وكان يكره الكتب للأمراء فإذا طلب بذلك كتب لهم حياء، وعاتبه أخوه علي التالوتي قائلًا يومًا: لأي شيء تكثر الكتب للسلطان وغيره فقال: كلفت به فقال: لا توافق عليه وقل لا أكتب فقال: واللَّه يا أخي يغلب عليّ الحياء ولا أقدر على المنع قال: لا تستحيي من أحد فقال له: إذا دخل النار أحد بالحياء فأنا أدخلها، وبالجملة فرفع همته عن الخلق معلوم عند الكافة، لا يأنس بأحد ولا يتسبب في معرفة ويود أن لا يراه أحد، وقال لي يومًا: واللَّه يا ولدي لو صبت ما نرى أحدًا ولا يراني أحد بل أشتغل وحدي وما يأتيني من قبل الناس إن قصدوا به نفعي سلمت لهم فيه، لا حاجة لي بأحد ولا بما له- اهـ.
وكان مع ذلك حليمًا كثير الصبر، ربما يسمع ما يكره فيتعامى عنه ولا يؤثر فيه بل يتبسم، وهذا شأنه في كل ما يغضبه ولا يلقي له بالًا، ولا يحقد على أحد ولا يعبس في وجهه، يفاتح من تكلم في عرضة بكلام طيب وإعظام حتى يعتقد أنه صديقه وقع له ممن يدعي أنه أعلم أهل الأرض ينقصه فما بالى به، ولا ألّف بعض عقائده أنكر عليه كثير من علماء أهل وقته وتكلموا بما لا يليق فتغير لذلك كثيرًا وحزن أيامًا ثم رأى في منامه عمر بن الخطاب واقفًا على رأسه بيده سيف أو عصا فهزها على رأسه وهدده بها وكأنه قال: ما هذا الخوف من الناس فأصبح قد زال حزنه واشتد قلبه على المنكرين فخرست حينئذ ألسنتهم فحلم عنهم وسمح فأقروا بفضله.
وبلغ من شفقته أنه مر به ذئب يجري معه الصياد والكلاب فحبسوه