وسمعته يقول: كم من ضاحك مع الناس وقلبه يبكي خوف ربه، فهذا شأن العارفين.
سأله بعض أصحابه ممن يبحث عن أحواله لأي شيء يتلون وجهك ويتغير كثيرًا مع الانقباض؟ فأجابه بعد تمنع بشرط أن لا يخبر به أحدًا فقال: نعم، فقال الشيخ: أطلعني اللَّه تعالى على رؤية جهنم وما فيها، نعوذ باللَّه منها، فمن حينئذ صرت أتغير وأحزن إلى الآن فهذا سبب تغيري.
وقال شيخنا بلقاسم الزواوي، حفظه اللَّه، من أكابر أصحابه: سمعته يقول: ضاقت على العوالم كلها من العرش إلى الفرش ولم أر منها ما يسرني فلم أمل لشيء منها بالكلية- اهـ.
وحاله في الدنيا كالمسجون لشدة خوفه ومراقبته كل لحظة وكثرة تفكره، كان يصوم يومًا بيوم. صوم داود عليه السلام، ويفطر على يسير طعام ولا يطلب يوم فطره ما يأكله وربما بقي ثلاثة أيام أو أزيد لا يأكل ولا يشرب إن أتي بطعام أكل وإلا بقي كذلك، وربما سألوه بعد مضي جل النهار أمفطر هو؟ فيقول: لا مفطر ولا صائم فيقال له لم لا تعلمنا بفطرك فتبسم.
وربما مازح بعض أصحابه فلا ترى أحسن منه حينئذ لا يرفع صوته بل يعتدل فيه ويصافح الناس ولا يمنع من قبل يده، وليس له لباس مخصوص يعرف به بل معتاد الناس اليوم، ويكره الكلام بعد صلاة الصبح والعصر ويتراخى في تكبيرة الإحرام بعد الإقامة ولا يكبر إلا بعد حين.
وأخبرتني زوجته أنه في بدء أمره إذا قام من الليل نظر السماء ويقول: يا سعيد كيف تنام وأنت تخاف الوعيد؟! ثم التزم صوم عام إن رجع إلى النوم متى استيقظ منه فمن حينئذ لا يرجع إليه إذا استبقظ حتى مات، ينام أول البيل ويحييه كله للفجر حتى أثر في وجهه- اهـ.
وكان لكثرة انقباضه لا ينبسط مع أحد ويشق عليه الخروج للمسجد للإقراء والصلاة، لا يخرج في بعض الأيام إلا حياء ممن ينتظره، ولما أحس بمرض موته انقطع عن المسجد ولازم فراشه حتى مات، ومرض عشرة أيام ولما