احتضر لقنه ابن أخيه مرة بعد مرة فالتفت إليه وقال له: هل ثم غيرها، وقالت له ابنته: تمشي وتتركني فقال لها: الجنة مجمعنا عن قرب إن شاء اللَّه تعالى، وكان يقول عند موته: نسأله سبحانه أن يجعلنا وأحبتنا عند الموت ناطقين بالشهادة عالمين بها.
وتوفي يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأخيرة عام خمسة وتسعين وثمانمائة وشم الناس المسك بنفس موته، رحمه اللَّه. مولده بعد الثلاثين وثمانمائة، ومن عاداته أنه إذا صلى الصبح في مسجده وفرغ من ورده أقرأ العلم إلى وقت الفطور المعتاد ثم خرج ووقف مع الناس ساعة بباب داره ثم دخل وصلى الضحى قدر قراءة عشرة أحزاب، ثم اشتغل بالمطالعة في وقت طول النهار وإلا ربما زالت الشمس وهو في الضحى وخرج بعد الزوال للخلوات فلا يرجع إلا للغروب أو يبقى في بيته فيتوضأ ويصلي أربع ركعات ثم خرج لمسجده وصلى بالناس الظهر وتنفل أربعًا ويقرئ ثم يتنفل وقت العصر أربعًا ويصلي العصر ويقرأ أو يخرج لداره واشتغل بالورد إلى الغروب ثم خرج للمغرب وتنفل بست ركعات ويبقى هناك حتى يصلي العشاء ويقرأ ما تيسر ورجع لداره ونام ساعة، ثم اشتغل بالنظر أو النسخ ساعة وتوضأ، ويصلي باقيًا فيها، أو في ذكر لطلوع الفجر، هذا أكثر حاله.
وأخبرني قبل موته بنحو عامن أن سنه خمس وخمسون سنة- اهـ من الجزء الذي لخصته من تأليف الملالي.
قلت: ورأيت مقيدًا عن بعض العلماء أنه سأل الملالي المذكور عن سن الشيخ فقال له: مات عن ثلاث وستين سنة، واللَّه أعلم، ورأيت مقيدًا في موضع آخر من كراماته أن رجلًا اشترى لحمًا من السوق فسمع الإقامة في المسجد فدخل واللحم في قبه فخاف من طرحه فوات ركعة فكبر كذلك، فلما سلم ذهب لداره فطبخ اللحم فبقي إلى العشاء فأرادوا طرحه فإذا هو بدمه لم يتغير فقالوا: لعله لحم شارف فباتوا يوقدون عليه إلى الصبح فلم يتغير عن حاله حين وضعوه فتذكر الرجل، فذهب إلى الشيخ فأعلمه فقال له: يا بني