وكراماته لا تحصى، وكان يقول: أصل الخير في الدنيا والآخرة الإحسان، وأصل الشر فيها البخل، قال تعالى:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الآية. وقال عن إبليس:{ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} الآية. وقال:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} الآية، {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} وقال: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا} الآية، وقال:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} الآية، وقال:{لَيْسَ الْبِرَّ} الآية. وقال:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ} الآية، فهي أمانة الرزق فأعطت السماء ما فيها من الماء وهو المطر، والأرض ما فيها من المياه النازلة من الجبال، وكذا الجبال، وأنبتت الأرض وأبت إمساكها، فخزن الإنسان جميعها عنده ومنع المساكين {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}. وفي الحديث "هم الأقلون ورب الكعبة إلا من قال هكذا وهكذا" الحديث.
ولما أراد اللَّه هلاك فرعون وقومه ودعا عليهم موسى بالبخل فقال:{رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ} إلى قوله: {دَعْوَتُكُمَا}. وكان آخر عمره -رضي اللَّه عنه- كثيرًا ما يقرأ هذه الآية {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى} إلى قوله: {سَوْفَ يُرَى}، ويقول: من قال: إن اللَّه لا يجازي على الصدقات فقد وافق اليهود في الفرية على اللَّه تعالى لأنهم قالوا: "يد اللَّه مغلولة غلت أيديهم" أي لا يجازي على الصدقات، قال تعالى:{غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} أي يجازي عليها كيف يشاء. ويقول في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} إنما كويت هذه المواضع لأن الغني يعرض عن المسكين بوجهه، ثم بجنبيه، ثم بظهره، فعوقبت هذه المواضع بكيِّ النار لإعراضه عنه. ومنازعه -رحمه اللَّه- في أمثال هذا كثيرة- اهـ -ملخصًا من التشوف للتادلي.
قال ابن الزيات: وحدثني أبو الحسن الصنهاجي وغيره: أن رجلًا غنيًا يعرف بابن السكان دار عليه الزمان وافتقر، فحدّث أنه جاء لأبي العباس وعليه ثوب خلق تظهر منه عورته، فشكا إليه حالته، قال: فأخذ بيدي إلى أن خرج معي من باب تاغزوت، فجاء إلى مطهرة هناك فدخل فيها وتجرد من أثوابه وناداني وقال لي: خذ الثياب فأخذتها، وكان بعد العصر فأردت أن أدري ما يكون من أمره، فصعدت إلى حائط هناك إلى قرب الغروب، فإذا