للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بفتى خرج من الباب على دابة معه رزمة ثياب، فلما رأيته نزلت إليه، وقال: أين الفقيه أبو العباس؟ فقلت: ها هو في الساقية عريان، فقال لي: امسك الدابة، فسمعت الفقيه يقول له: أين تلك الثياب؟ فأخذها منه وخرج، فلما رآني قال لي: ما لك هنا؟ قلت: يا سيدي خفت عليك فلم أقدر على الانصراف ونتركك، فقال لي: أفترى الذي فعلت ما فعلت يتركني؟ ثم سأل الفتى عن سبب وصوله إليه، فذكر له أن إحدى الكرائم أمرته أن يحمل إليه تلك الثياب وقالت له: لا تدفعها إلا للفقيه ولا يلبسها إلا هو، فهذه قصة صحيحة مشهورة- اهـ.

قال ابن الخطيب السماني: روضته بباب تاغزوت بمراكش غير حافلة البناء، ربما يتبرع متبرع باحتفالها فلا تساعده الأقدار، وزرتها فشاهدت داخلها أشياخًا من أهل التعفف والتصوف يسارقون خفي النظر إلى مساقط رحمات اللَّه عليها، لكثرة زائريها، فيلج ذو الحاجة بابها خالعًا نعليه مستحضرًا آنيته، ويقعد بإزاء القبر قعدة لذلك، ومن عجز عن النقدين تصدق بالطعام ونحوه، فإذا خف الزائر آخر النهار عمد القائم على التربة إلى ما أودع في تلك الأواني فقسمه على المحاويج الحافّين بها، ويحصون كل عشية ويعمهم الرزق المودع فيها، وإن قصر عنهم كملوه بها غده.

قال: وترافع خدام الروضة لقاضي البلد وتخاصموا في أمر ذلك الرزق المودع هناك، فسألهم القاضي عن خراج اليوم فقالوا: يحصل هذه الأيام بها اليوم الواحد ثمانمائة مثقال ذهب عين، وربما وصل في بعض الأيام ألف دينار فما فوق، فروضة هذا الولي ديوان اللَّه بالمغرب لا يحيى دخله ولا تحصى جباياته، فالتبر يسيل واللجن يفيض، وذو الحاجة كالطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا، يختص برحمته من يشاء، واللَّه ذو الفضل العظيم. قال: وأنا ممن جرب المنقول عن القبر فاطّرد القياس وتزيف الشبهة، وتعرفت من بدء زياراته ما تحققت به من بركته، وشهد على برهان دعوته- اهـ.

قلت: وإلى الآن ما زال الحال على ما كان عليه بها روضته من ازدحام الخلق عليها، وقضاء حوائجهم ولكن قل ذلك العطاء لفساد الزمان، وتقاصر

<<  <   >  >>