قال تلميذه وصهره على ابنتيه الرّجل الخيّر صالح بن محمّد بن جوعان (١): ما وضعنا الكراريس في كتبها إلّا بعد موته، / يعني أنّه لم ينو ترك الدّروس فقد استجاب الله دعاءه، وحقّق رجاءه، وكان قويّ الرّجاء بربّه، كثير الثّناء عليه سبحانه، دائما يعدّد نعمه عليه، وكان في أوّل مجاورته بمكّة تسبّب بالتّجارة، مع غاية التّحرّي، وتصحيح العقود، والقناعة بالرّبح اليسير، مع ملازمته على الدّروس والعبادة، ثمّ ترك التّجارة، وانقطع لا يخرج من المسجد إلّا لبيته، لما لا بدّ له منه، مواظبا على الصّلاة مع الإمام الأوّل، خلف الإمام، كان كثير الخشوع، دائم السّجود والرّكوع، عابدا، ورعا، لا يأكل شيئا من مال السّلاطين، بل يقبضه ويعطيه لبعض تلامذته، كثير القراءة لكتب التّفسير والحديث، إذا قرأها لا يملك عينيه من البكاء، خصوصا الغزوات، ولا يخلّ بوظائفه اللّيليّة والنّهاريّة إلّا من عذر شرعيّ، ولا يكاد يرى في طريق إلّا لزيارة القبور، أو لعيادة مريض، ويعتكف العشر الأواخر من رمضان كلّ سنة، ولا يخرج من معتكفه إلّا بعد صلاة العيد كما هو السّنّة في مذهبه بثياب اعتكافه، وأوّل ما يخرج يذهب لزيارة المعلاة قبل أن يدخل بيته، ولا يذهب إلى أحد، ولا يشتهي أن يجيء عنده أحد، ومن تطلّبه ففي الدّرس، أو خلف الإمام.
(١) هو صالح بن محمّد بن جوعان العنيزيّ الأصل ثم المدنيّ، صهر الشّيخ على ابنتيه الاثنتين كذا قال شيخنا ابن بسّام وقال: «من أهل عنيزة، سكن المدينة وأوقف فيها وقفا جعل عليه العالم الحنبليّ الّذي يدرّس في المسجد النّبويّ الشّريف، ولا يزال وقفه موجودا عامرا جاريا على مصرفه حسب نصّ الواقف».