عنده تعصّب، وكان سخيّا مع قلّة ماله، مكرما لمن يرد عليه، ولا يحبّ الفخر ولا الخيلاء، ويدخل إلى المسجد الأقصى الشّريف في أوقات الصّلوات بمفرده، مع ما كان عليه من الهيئة والوقار، وله معرفة تامّة بالمصطلح في الأحكام، وكتابة المستندات، وباشر القضاء بالأعمال المذكورة، وأفتى نحو أربعين سنة، وكانت أحكامه مرضيّة، وأموره مسدّدة، ومات وهو باق على أبّهته ووقاره، لم يمتحن، ولم يهن، ومن أعظم محاسنه الّتي شكرت له في الدّنيا ويرجى له الخير بها في الآخرة: أنّ بالقدس الشّريف كنيسة للنّصارى مجاورة لكنيسة قمامة بلصق الصّومعة من جهة القبلة، وبناؤها محكم، ولها قبّة عالية، والنّصارى يجتمعون فيها ويقرءون كتابهم، ويرفعون أصواتهم، حتّى في بعض الأوقات يسمع ضجيجهم من قبّة الصّخرة الشّريفة، وينزعج المسلمون من ذلك، فقدّر الله تعالى وقوع زلزلة يوم الأحد خامس المحرّم سنة ٨٦٣ فهدمت قبّة الكنيسة المذكورة، فتوجّه النّصارى لنائب السّلطنة، وللقاضي الحنفيّ بالقدس الشّريف، ودفعوا لهما مالا فأذن القاضي الحنفيّ في إعادتها بآلتها القديمة فحصل للقاضي المترجم غاية/ الانزعاج واشتدّ غضبه لذلك، فحضر إليه النّصارى وأحضروا له مالا على أن لا يعارضهم، فزجرهم زجرا بليغا، ثمّ بادر بالكتابة إلى الملك الأشرف إنيال، ورتّب قصّة أنهى فيها ما كان يقع من النّصارى بالكنيسة المذكورة، وأنّ الله تعالى قد غار لدينه وهدمهابالزّلزلة وسأل في مرسوم شريف بأن ينظر في ذلك على ما يقتضيه مذهب إمامه المبجّل الإمام أحمد بن حنبل، فبرز الأمر بذلك، فحضر قاصده إلى القدس الشّريف وقد شرع النّصارى في البناء حتّى كادت