قال: وكانت هذه حالها مع بعضهما؛ فإنّ الشّيخ عمر كان يسابقني إلى حمل مداس الشّيخ محمّد صالح وتقديمها له من غير أن يعلم، والشّيخ محمّد صالح يقول: يا ليتني شعرة في جسد الشّيخ عمر فصار للشّيخة المذكورة شهرة عظيمة وصيت بالغ وأسندت كثيرا من المسلسلات وأخذت الطّريقة النّقشبنديّة والقادريّة، وكان لها أوراد وأحزاب، ومشرب رويّ في التّصوّف، وأرشدت خلقا من النّاس سيّما النّساء: فقد لازمنها ملازمة كلّيّة، وانتفعن بها انتفاعا ظاهرا، وصلحت أحوال كثير منهنّ، وصار من يتردّد إليها منهنّ يعرف من بين النّساء بالدّين والتّقوى والورع والمواظبة على فرائض الدّين، والقناعة والصّبر وحسن السّلوك، واتّفق لها كرامة ظاهرة باهرة لا يمكن ادّعاؤها، وهي أنّه كفّ بصرها في آخر عمرها فبقيت على ذلك نحو سنتين أو أكثر وكانت بعض النّساء الصّالحات تخدمها محبّة فيها، وتبرّكا بها، فعرض لها شغل في بعض اللّيالي عند زوجها وأولادها فاستأذنت الشّيخة في المبيت عندهم تلك اللّيلة، فأذنت لها فقامت الشّيخة تلك اللّيلة للتّهجّد على العادة، ولم يكن لها خبر بالدّرجة، فتوضّأت وزلقت رجلها فسقطت وانكسر ضلعان من أضلاعها، فعصبتهما وصلّت راتبها بغاية التّكلّف والمشقّة، ثمّ غفت فرأت النّبيّ صلّى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما مقبلين من نحو الكعبة، قالت فأخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلم من ريقه الشّريف بطرف ردائه وقال: امسحي عينيك فمسحتهما فأبصرت في الحال، ثمّ مسحت على الكسر فبرأ في الحال، فقال: يا فاطمة من غير استئذان، فقلت: يا سيّدي يا رسول الله إنّ الحدث الأصغر يندرج في الأكبر وأنت قد أذنت في البصر وهو أعظم، فتبسّم