الحوانيت، ثمّ أعرض عن التّصدي له شهامة، وصار يقضي فيما يقصد به في بيته/ مجّانا ثمّ تركه جملة، وهو مع ذلك كلّه لا يتردّد لأحد من بني الدّنيا إلّا من يستفيد منه علما، ولا يزاحم على سعي في وظيفة ولا مرتّب، بل قنع بما كان معه وما تجدّد بدون مسألة، وقد حجّ قديما في سنة ثلاث عشرة، وسنة ثلاث وخمسين صحبة الرّكب الرّجبيّ (١)، واجتمع في المدينة بالسّيّد عفيف الدّين الإيجيّ، وسمع قصيدة له نبويّة أنشدت في الرّوضة بحضرة ناظمها، وكذا أنشدت لصاحب التّرجمة قصيدة، وزار بيت المقدس، والخليل بين حجّتيه غير مرّة، بل وبعدهما، ولقي القبابيّ، وأجاز له، واجتمع في الرّملة بالشّهاب بن رسلان، وأخذ عنه منظومته «الزّبد» وأذن له في إصلاحها، وبالغ في تعظيمه، ودخل الشّام مرّتين، لقي في الأولى حافظها ابن ناصر الدّين وزاد في إكرامه، وفي الثّانية البرهان الباعونيّ وأسمعه من لفظه أشياء من نثره، وإمام جامع بني أميّة الزّين عبد الرّحمن بن خليل القابونيّ، وكتب عن صاحب التّرجمة مثلّثا له، وكذا دخل دمياط، والمحلّة، وغيرهما من البلاد والقرى، ولقي الأكابر، وطارح الشّعراء، وأكثر من الجمع والتّأليف،
(١) يراد بالركب الرجبي: شد الرحل إلى مكة- حرسها الله تعالى- في شهر رجب بمناسبة الإسراء والمعراج في ذلك الشهر. والإسراء والمعراج ثابتان بنص الكتاب والسنة ولم يثبت حديث في وقوعهما في شهر رجب، بل لم يثبت حديث في فضل شهر رجب كما حرره الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى- في كتابه: «تبيين العجب … » فهذا الركب الرجبي بدعة في الدين لا أصل لها، وقد تلاشت بفضل الله ثم بفضل دعوة التوحيد في الجزيرة العربية في ظل حكومة التوحيد: آل سعود ملوك المملكة العربية السعودية ثبتنا الله وإياهم على الإسلام والسنة. آمين.