للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المدينة كالمجبر في الظّاهر وهو طيّب النّفس في الباطن، وإن نسب إلى الغدر بإمساك الرّسول فأبى، وقال: لا أفارقهم إلّا إن انغلبوا، فأغضب الباشا ذلك، ولمّا أخذ بلادهم أمسكه وعذّبه أنواع العذاب (١) فيقال: إن الباشا رأى رؤيا من جهته أزعجته فكفّ عنه العذاب، وكان أبوه سمع بذلكفما استحسنه لكونه منسوبا من مجاوري المدينة وصهرا لهم، ولمّا تحقّق عنده في السّابق من إنكاره أمرهم، واستنجاد الدّولة عليهم، ولشهرته بالعلم والعقل، فأرسل يطلبه، فوصل إليه في مصر، وأكرمه ورتّب له رواتب جزيلة، وأعطاه جواري حسانا، وجمع بينه وبين علماء مصر، فتناظروا فثبت ثباتا عظيما وعزّ في عين الباشا، وعرف العلماء فضله، وأثنوا عليه فجعله الباشا شيخ المذهب الحنبليّ، وهو عبارة عن المفتي، وأمره أن يقرئ بعض أولاده ومماليكه في القلعة وفي بيته، ويدرّس في الأزهر، ويحضر عنده جمع، وانفرد بمذهب الإمام أحمد، فصار يرحل إليه للأخذ عنه، ويرسل إليه من الأماكن للفتاوى ولطلب الإجازة، وكان نقش خاتمه هذا البيت (٢):

أنا حنبليّ ما حييت وإن أمت … فوصيّتي للنّاس أن يتحنبلوا

وتوفّي وقد ناهز الثّمانين أو جاوزها، وهو ممتّع بحواسّه ما عدا ثقلا قليلا في سمعه سنة ١٢٥٧ في مصر ودفن بها./


(١) قال ابن بشر في «عنوان المجد»: (١/ ٤٢١): «وكان الشيخ العالم القاضي أحمد ابن رشيد الحنبلي صاحب المدينة في الدّرعية عند عبد الله، فأمر عليه الباشا وعزّر بالضّرب، وقلعوا جميع أسنانه» فهل يعقل بعد هذا أن يبقى مصانعا … ؟!
(٢) لشيخ الإسلام الأنصاريّ الهرويّ. «الذيل على طبقات الحنابلة»: (١/ ٥٣).