للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أبنائه ومهر في جميع ما قرأ، وبهر في الفهم حتّى فاق أقرانه، بل ومن فوقه، فصار كثير من رفقائه تلامذة والده يقرءون عليه، وكان ذا حرص واجتهاد إلى الغاية، قليل الخروج من المدرسة حتّى إنّه اتّفق له سبع سنين لم يخرج منها إلّا لصلاة الجمعة وأمّا الجماعة ففي مسجدها، والأكل يأتي له من بيت والده مع الطّلبة، وأكبّ على تحصيل العلم وإدمان المطالعة والمراجعة والمذاكرة والمباحثة ليلا ونهارا، لم تنصرف همّته إلى غيره أصلا، حتّى إنّه لمّا تزوّج بأمر والده وإلزامه أخذ ليلة الدّخول معه المحفظة فلمّا انصرف عنه النّاس نزّل السّراج وقعد يطالع الدّروس الّتي يريد أن يقرأها في غد، ويقدّر في نفسه أنّه بعد إتمام المطالعة يباشر أهله فاستغرق في المطالعة إلى أن أذّن الصّبح، فتوضّأ وخرج للصّلاة، وحضر دروس والده من أوّلها، ولم يعلم والده بذلك لكونه لا يبصر، ولمّا فرغ من الدّروس أتى إليه ولده وسلّم عليه فبارك له وبارك له الحاضرون، وفي الليلة الثّانية فعل كفعله بالأمس ولم يقرب أهله من غير قصد للتّرك، لكن لاشتغاله بالمطالعة فيقول في نفسه: أطالع الدّرس ثمّ ألتفت إلى الأهل، فيستغرق إلى أن يصبح، فأخبرت المرأة وليّها بذلك، فذهب وأخبر والده بالقصّة، فدعاه والده وعاتبه وأخذ منه المحفظة، وأكّد عليه بالإقبال عليها، وكان رحمه الله كثير التّحرير، بديع التّقرير، سديد الكتابة، قلّ أن يقرأ كتابا أو يطالعه إلّا ويكتب عليه أبحاثا عجيبة/ واستدراكات غريبة، وفوائد لطيفة، فمنها القليل ومنها الكثير، فمن أكثر ما رأيته كتب عليه «شرح المنتهى» للشّيخ منصور ملأ حواشيه بخطّه الضّعيف المنوّر، فلم يدع فيه محلا فارغا بحيث إنّي جرّدتها في مجلّد، وضممت إليها