هبطت نسبة المهاجرين من الجنسيات الأخرى إلى حد كبير بعد العام ١٨٩٥. وتوقفت الهجرة أثناء الحرب العالمية الأولى، ثم استؤنفت بعد ذلك، غير أن نوعية المهاجرين تبدلت. فلم يعد المزارعون هم الذين يهتمون بالهجرة إلى الجزائر، بل اقتصرت الهجرة على العمال والتجار ورجال الأعمال وموظفي الحكومة وعمالها. وتعود هذه الظاهرة إلى مكننة الزراعة من جهة (إدخال الزراعة الآلية) وإلى تناقص مساحات الأراضي الصالحة للزراعة من ناحية أخرى.
يبرز العرض السريع السابق أن الجزائر تعرضت لهجمة استيطانية واسعة في أعقاب القضاء على ثورة الحداد والمقراني (ثورة ١٨٧١)؛ ويعود سبب ذلك إلى هجرة الإفرنسيين من مقاطعتي الألزاس واللورين اللتين احتلتهما بروسيا سنة ١٨٧٠، كما أن الآفة الزراعية التي لحقت بالكثير من كروم العنب في فرنسا عام ١٨٧٨، دفعت عددا من صانعي الخمور إلى الجزائر. المهم في الأمر هو أن هذه الهجرة أدت إلى مجموعة من الظواهر، أو العوامل، التي رسمت أبعادها على صفحة الجزائر وعلى مستقبلها. وهذه الظواهر هي: أ - النزعات الاستقلالية للمستوطنين - المهاجرين. ب - التكون النفسي الخاص بالمستوطنين. ج - موقف الجزائريين من الهجرة.
أ - النزعات الاستقلالية للمهاجرين (المستوطنين): أظهر المستوطنون الأوروبيون في الجزائر جنوحا نحو الاستقلال بأمور الجزائر وإدارتها منذ البداية، وكان هذا الجنوح عاملا أساسيا في جملة عوامل اضطراب الإدارة الإفرنسية في الجزائر، وتأرجح هذه الإدارة بين المدنيين والعسكريين، حتى إذا ما سقطت إمبراطورية نابليون