للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى مرحلة اليأس القاتل. وقد أبرز شيخ من شيوخ المجاهدين، بعض ملامح المجتمع الجزائري في سنة ١٨٣٠ - وبعد مضي قرن من الزمن على استعمار الجزائر - كما عرض بعض ما وصل إليه حال المجاهدين وقد بذلوا كل ما يستطيعون - وأكثر مما يستطيعون - في مجابهتهم للقهر الاستعماري، حتى انتهى أمرهم إلى اليأس والقنوط. ويقول هذا الشيخ وهو يصف انطباعه عن الجزائر يوم وصلها (سنة ١٩٢٥) (١) ما يلي:

أ - (تلك كانت حياة الجزائر سنة ١٩٢٥: الخير والرزق والكسب والحكم والسلطان للأوروبي مهما كان جنسه، ومهما كان عمله. والبؤس والشقاء والحرمان والمرض والجهل والجوع والمهانة والعدم للجزائري المسلم الذي سلب منه كل شيء، حتى القدر الأدنى من الكرامة - واغتصب منه كل شيء حتى الشبر الأخير من أرضه المنتجة. وحرم من كل شيء، حتى مقعد المدرسة للصبي، ولقمة الخبز للجائع، وزجاجة الدواء للمحتضر. وأكاد أقول: والقبر لمن أنجاه الله بالموت من محن الحياة .. وكنا نجلس - أحيانا - حول مائدة مقهى، ويلتف حولنا جمع من شبان الوسط المترف، أما شرابهم فكان كحول - الأنيزيت - وكانوا يتغالون في كمية ما يشربون من كحول إلى حد الإسراف، يصلون به إلى درجة الإسعاف. ولا حديث لهم إلا عن أنواع السيارات وما ظهر منها، وما فقد صيته وسمعته. فهذا يريد أن يستبدل الستروان بالفورد، وذلك يبيع البيجو ويشتري مكانها


(١) حياة كفاح - مذكرات - أحمد توفيق المدني ٢/ ٣٠ و ٣١ و ٤٨ - ٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>