ج - ضحية من ضحايا الاستعمار (الشيخ عبد الحليم بن سماية).
ومرة أخرى، قد يكون من الأفضل العودة إلى ما كتبه الشيخ المجاهد أحمد توفيق المدني في مذكراته: (أذكر حادثا وقع لي، عرفني بعالم جليل، ومنه عرفت ما آل إليه حال الذين رفضوا التعامل مع الاستعمار. ولم يركنوا إليه. والذين اختنقت أنفاسهم بما لاقوه من مرارة ظلم وإرهاق ... كنت على موعد معه في مزرعة السيد محمد بن الأكحل، غير بعيد عن بلدة الأربعاء. ودخلت المكان مع صاحب الدعوة. وكان الشيخ يتوسط القاعة، وكأنه بجلاله وهيبته يحتل كامل الغرفة ... كان حقا شيخا جليلا، قام للسلام علي، ولم تتغير ملامحه، ولم تبد على وجهه أدنى بشاشة ... قال لي: مرحبا بك. ثم سكت طويلا، ولا يتحرك، ولا يبدي إشارة - ليشارك في الحديث - حتى كأنه صورة مجسمة من الشمع الملون. قلت للسيد محمد بن الأكحل هامسا: أهذا هو الشيخ عبد الحليم بن سماية، العالم الشهير، الذي طبق صيته آفاق العالم الإسلامي؟ قال لي: نعم. وهذه هي حاله مئنذ أن أصبح ملازما للوحدة والعزلة، وستكون محظوظا إن أنت ظفرت منه بكلمة. قلت: ومنذ متى وهو يلازم هذه الحالة؟ قال لي: منذ بدأت الأحاديث تتردد عن احتفال فرنسا بصفة صاخبة بمرور مائة عام على احتلالها الجزائر.
فهمت. وعلمت أن الرجل البائس يكاد يقتله الهم والحزن، وأن سكوته هذا هو نوع من الفرار من الدنيا. ولكنني اتجهت إليه