وصلت الثورة الجزائرية بعد انقضاء السنوات الأولى من الصراع المرير، إلى مرحلة متقدمة من التنظيم الشامل، وإذا كانت (الولاية الثانية - أو ولاية الشمال القسنطيني) هي إحدى ولايات الكفاح التي كان لها شرف السبق في التطور الثوري، فإنها بالمقابل قد تعرضت لقسط أكبر من ويلات الحرب. ولكن، وبالرغم من ذلك فقد أمكن للقيادة الثورية فيها، كما في غيرها، تجاوز كل المحن والمصائب، وإجراء التطور الضروري للتكيف مع الظروف المتجددة باستمرار. وقد يكون من المناسب ملاحظة ملامح ذلك التطور عبر ولايات الكفاح كلها، من خلال ما حدث (في الولاية الثانية)(١) من تطور.
إن تصور مدى ما بلغه جيش التحرير الوطني من التقدم، وما أمكن له إحرازه من انتصارات، هو أمر يتطلب بالضرورة العودة قليلا لاستقراء ملامح الأساليب التعبوية (التكتيكية) والتي طبقها الجيش الفرنسي في سنتي ١٩٥٥ - ١٩٥٦، ضمن إطاز محاولة
(١) من حديث مع قائد الولاية الثانية (علي الكافي - كولونيل) ونشرته مجلة (المجاهد) الجزائرية ١٦/ ٤/ ١٩٥٩.