ما أظلمت دنيا المسلمين يوما إلا وارتفع في سمائها نجم يتألق ليهدي التائهين سواء السبيل. وما اشتدت الخطوب في عالم العرب المسلمين يوما إلا وظهر رائد يصدق قومه الهداية، ويسير بهم نحو الدرب القويم. وقد ظهر في الفصل الأول، ما وصلت إليه الجزائر المجاهدة الصابرة في حكم الاستعمار والمستعمرين. حيث بلغ اليأس منتهاه، وحيث بلغ القنوط غايته.
وفي وسط الظلمة الحالكة، ظهر ذلك الإنسان المسلم المؤمن، فأشرقت له دنيا الجزائر، والتفت حوله فئة من المجاهدين الصابرين، كأنهم كانوا على موعد مع قدر أمتهم. وكان عليه، وعليهم، شق الطريق، وسط صعوبات لا نهاية لها. ذلك هو عبد الحميد بن باديس. وقد وصفه أحد أقرب الناس إليه بقوله: (كنا هنالك جمعا صالحا لست أنساه، كانوا نحوا من عشرين رجلا، منهم الشيخ، ومنهم الكهل، ومنهم الشاب. إنما نور الإيمان والعزيمة الراسخة كان قد ارتسم فوق كل محيا،