تلك هي قصة أخرى لامرأة مجاهدة، وما أكثر المجاهدات، وهي أم لشهيد، وما أكثر أمهات الشهداء. وقد كان موطن هذه الإمرأة المجاهدة وأم الشهيد في (بني جناد) إحدى ضواحي القبائل الكبرى. وعرف عنها إيمانها العميق، وصبرها على مشاق الحياة وبؤسها، وإخلاصها غير المحدود لوطنها، واعتزازها بالفضائل الأخلاقية التي تحلت بها المرأة المسلمة.
لقد مات زوجها وهي صبية، لما تتجاوز العقد الثالث من عمرها، وترك لها ابنا صغيرا، وقليلا من المال لا يكاد يكفيها لتأمين متطلبات حياتها البسيطة. واحتملت كل ألوان البؤس والحرمان حتى تقدم لابنها ما هو ضروري لنموه وتربيته على فضائل قومها. ولم يكن لها ما يؤنس وحشتها، ويبدد شقاءها، إلا تعلقها بأمل نشوء ابنها نشأة صالحة، يحظى بها برعاية الله وعنايته، حتى يكون لها عونا طالما بقيت على قيد الحياة. ومضت ثلاثة وعشرون سنة من عمر الابن، وأصبح شابا صلب العود، وتحقق أمل الأم، فكان ابنا فاضلا، مسلما مؤمنا على خلق رفيع، أحبه أهل قريته، وأخذوا يضربون به المثل، ويتخذونه قدوة يحفزون أبناءهم على تقليده