لقد مضى ربع قرن على انطلاقة الثورة، وبات بالامكان معرفة بعض أسرارها، والتعرف على بعض القادة التاريخيين الذين أطلقوا شرارتها. ولم يكن هذا الأمر ممكنا في ظروف الثورة. فقد حرص أولئك القادة على تجنب كل ما يكشف عن شخصياتهم، واعتصموا بقواعد الثورة، وحاولوا البقاء في الظل، ولم يشتركوا في أي مؤتمر عام - خارج القطر الجزائري إلا بعد انتهاء الثورة. ولقد أسهم في الثورة جميع الجزائريين الذين فازوا بممارسة بعض الأعمال الادارية أو القيادة، واكتسبوا بذلك خبرة كافية تؤهلهم لممارسة أعمالهم في ظلال الثورة وتحت رايتها، سواء كانت خبرة هؤلاء ناجمة عن عملهم في القطاع المدني - خلال الفترة الأخيرة التي سبقت الثورة - أو في الجيش الإفرنسي ذاته. وكان معظم جيل القادة من الذين ولدوا في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولهذا لم يروا في فرنسا إلا بلدا ممزقا في اتجاهاته منحلا في قيمه الأخلاقية، متحررا من الفضائل المثلى، وجاءت هزيمة فرنسا في الحرب العالمية الثانية (سنة ١٩٤٠) واشتراك الجزائريين في الحرب لتؤكد لهؤلاء سقوط هالة (الرجل الأبيض المتفوق).
وعلى الرغم من أن أبناء هذا الجيل قد تلقوا الثقافة الافرنسية، إلا أنهم لم يعرفوا شيئا عن التعاون مع فرنسا - بخلاف جيل مصالي الحاج وفرحات عباس وبن جلول وأضرابهم من كان مثلهم الأعلى في شبابهم توثيق التعاون مع فرنسا. وهنا