تثير الحروب بصورة عامة نوعا من التخلخل الاجتماعي، الذي بات معروفا لعلماء النفس والاجتماع، فالتأرجح بين الضغوط العالية والاسترخاء أو الهمود المنخفض، والعيش تحت ظروف التوتر الشديد، يترك في النفس عصابات قد تصل إلى حدود مرضية خطيرة في أحيان كثيرة يضاف إلى ذلك ويلات الحرب ومآسيها والقلق على المصير وفقد الأهل والأحباء ومعاناة الجوع والمرض، وأهوال التخريب والدمار والتشرد، كل ذلك مما يترك أشكالا مختلفة من الجنوح غير السوي. فكيف الأمر بالحروب الاستعمارية التي تتعاظم في أهوالها ومصائبها على كل أشكال الحروب التقليدية؟ ثم كيف الأمر بالنسبة للاستعمار الفرنسي بالذات، والاستعمار الفرنسي للجزائر منه بصورة خاصة؟
لقد أظهرت الصفحات السابقة بعض ملامح (المأساة الجزائرية). وهي مأساة تبقى على الرغم من كل ما كتب عنها، وعلى الرغم من كل ما أمكن معرفته عنها، غامضة في كثير من جوانبها. وهنا، لا بد من القول على ضوء ما سبق عرضه - بأنه إذا ما كان من شأن الحرب، وكل حرب، إثارة اضطراب في تكوين