الفاتح من نوفمبر، منها الشدة المتناهية لأساليب القمع الاستعماري، ومنها مجموعة الظروف العربية والإسلامية والدولية - القريبة والبعيدة - والتي لم تكن مساعدة. فجاءت ثورة الفاتح من نوفمبر، فغيرت بحكم تنظيمها وعمقها بعض هذه الظروف، وجاءت الظروف الأخرى فساعدت على نجاح الثورة وتطورها والوصول بها إلى أهدافها.
وقد يكون من المحال، إعطاء هذه الثورة العظيمة حقها من البحث التاريخي بالرغم من كل ما كتب وسيكتب عنها، إلا أن ذلك لا يمنع من التعرض باستمرار إلى مقدماتها ومراحل تطورها وما حققته من منجزات ضخمة على جميع المستويات والصعد خلال مسيرتها الشاقة الطويلة. وقد جرت محاولات كثيرة لتقسيم الثورة - زمنيا - إلى مراحل مميزة، غير أن الاختلاف على حدود هذه المراحل بقي ظاهرا ومتباينا. ذلك أن النسيج التاريخي للثورة هو نسيج شديد التلاحم مما يجعل من الصعب وضع حدود مميزة عند مراحل معينة. وإذا اجتهد المجتهدون، وبحث الباحثون على حدود واضحة يمكن الإستناد إليها بهدف الدراسة - لا أكثر ولا أقل - فإن ذلك لا يعني أن الحدود المفروضة هي حدود لها وجود. ولو بصورة نظرية. وتبقى شدة تماسك نسيج الثورة أقوى من كل القيود أو الحدود.
[أ - المخاض العسير]
عرفت الجزار في الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية (١٩١٩ - ١٩٤٥) نهضة فكرية تفتحت عن وعي ثوري حقيقي، حيث انطلقت النخبة المتعلمة لدراسة التجربة الثورية الجزائرية منذ بداية استعمار فرنسا للجزائر (٥ - تموز - يوليو - ١٨٣٠) مع ربط ذلك بظروف العالم العربي - الإسلامي والظروف