يبقى هناك سؤال، في جملة الأسئلة، التي لا بد لها وأن تصدم بقوة كل باحث في عمق الثورة الجزائرية، ويتلخص هذا السؤال بالتالي: لقد انطلقت شرارة الثورة في المدينة، فلم تلبث حتى ألهبت السهل والجبل، فهل كان ذلك لأن العشب الجاف، والوقود الصلب، في السهل والجبل، كان أكثر استعدادا للاحتراق بنار الثورة؟. لقد انسحب الرواد التاريخيون بعد أن أيقظوا شعب الجزائر بتظاهرتهم العنيفة، ليستقروا - كالعقبان - في صياصي الجبال، فهل كان ذلك لمجرد الإفادة من منعة الطبيعة الجبلية في الأوراس ومنطقة القبائل، وما توفره هذه المناطق من الحماية الطبيعية؟ ولقد ألقت فرنسا بثقل قواتها لقمع الثورة منذ بداياتها المبكرة، واحتمل سكان السهول والجبال من الضيم والعسف ما لا تحتمله إلا الجبال الراسيات، فلم تضعف لأبناء السهول والجبال قناة، ولم تلن لهم إرادة. وأتعبوا أقوى جيوش الاستعمار ولم يتعبوا، فهل كان ذلك بسبب طبيعة أبناء هذه المناطق؟ ولقد تشكلت المناطق المحررة، أول ما تشكلت، في مناطق الأوراس والقبائل الكبرى، فما هو السر في ذلك؟ إن السر كامن في ذلك التلاحم الخالد بين المواطن الجزائري والأرض الجزائرية، وهو التلاحم الأبدي بين المواطن والوطن - وقد