أحدثت الحرب العالمية الثانية تغيرات كثيرة في علاقات دول العالم بعضها ببعض، كما حدثت تبدلات كثيرة في موازين القوى، ولم تعد الدول العظمى التي كانت قبل الحرب، هي ذاتها الدول العظمى في عالم ما بعد الحرب، لا سيما عندما تكون إحدى هذه الدول العظمى قد تعرضت للإحلال والقهر - وأبرز نموذج لها فرنسا ثم بلجيكا. كما لم تعد الشعوب المقهورة في عالم ما قبل الحرب، هي ذاتها عندما انتهت الحرب العالمية الثانية. فقد مست العصا السحرية شعوب العالم الخاضع للاستعمار، فعرفت هذه الشعوب قدراتها وإمكاناتها، وكشفت وهم (تفوق الرجل الأبيض - الأوروبي) وعرفت حقيقة القوة الوهمية للاستعمار. وجاء تكوين هيئة الأمم المتحدة، وبيان حقوق الإنسان والدول وتعهدات أمريكا والاتحاد السوفييتي لتحدد معالم عالم جديد في علاقاته يختلف عن ذلك العالم عالم الاستعمار - الذي عاش طوال القرن التاسع عشر، بكل ضراوته ووحشيته، وزاده عنفا ما حققه من مكاسب طوال النصف الأول من القرن العشرين. غير أن الاستعمار الإفرنسي - على وجه التحديد - لم يدرك عمق هذه التحولات، ولم يحاول التعرف على أبعادها، فمضى في طريقه محاولا إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.