اجتاحت القوات الإفرنسية الجزائر، وظهرت نوايا الإفرنسيين منذ البداية، فقد أخذت الأعمال العدوانية تمتد من المدن إلى القرى، ومن الساحل إلى الداخل، ورافق ذلك جهد لإبادة الشعب الجزائري بالجملة، ولم تقتصر عمليات الإبادة على إقليم معين، أو فئة من المواطنين، وكانت هناك خطة عسكرية واضحة ينفذها جيش الغزو بشن حرب متطرفة ذات طابع وحشي شاذ. ولم يعد الأمر مقتصرا على أعمال عسكرية في أيام محدودة، وإنما أصبحت الجزائر كلها مسرحا غارقا بالدماء تشتعل فيه النيران باستمرار. ولم تميز قوات الغزو بين الأشخاص والممتلكات، فالحرائق والسرقات والتخريب تختلط بالقتل والتعذيب. وليس ثمة تمييز بين الرجال والنساء والأطفال والشيوخ. وأدى ذلك إلى بروز الهوة السحيقة التي فصلت منذ البداية بين المواطنين والمستعمرين. ولم يعد باستطاعة الإفرنسيين معرفة المرتكز الذي يستطيعون الاعتماد عليه في إدارتهم للبلاد. فقد غادر معظم الأتراك البلاد، ولم يكن باستطاعتهم الاعتماد على العرب (المقيمين منهم أو الرحل). كما لم يكن باستطاعتهم الاعتماد على القبائل الجبلية الطموحة لحريتها، والتي