اجتاحت العالم العربي والإسلامي موجة من الحزن والأسى في يوم من أيام شهر أيار (مايو) سنة (٩٥٢ هـ = ١٥٤٧ م) لفقد علم من أعلام الجهاد، ولغياب سيف من سيوف الإسلام. وقوبلت هذه الموجة في الغراب بموجة مضادة، حيث عمت الفرحة وسارت البشائر في كل الأقاليم الأوروبية بزوال الكابوس المرعب الذي طالما أرق ملوكها وأمراءها، وطالما هدد تجارتها واسطولها، وطالما أغار على ثغورها ومدنها الساحلية وقراها. لقد توفي أشهر أصحاب (اللحى الحمراء) أو (الشقراء) وهو الذي أمضى حياته في البحر، مجاهدا في سبيل الله، صابرا محتسبا , لم يطلب في حياته مجدا ولا مالا، ولم يعمل من أجل الجاه أو المنصب، ولو أنه حصل على المنصب دونما إرادة منه، وسعى إليه الجاه بدون أن يعمل هو من أجله. ومضى شيخ المجاهدين عن عمر يناهز الثمانين. لم يتبعه الجهاد، ولم تنل من عزيمته المحن والنوائب، ولم تصرفه عن مبتغاه الخطوب الجسام. لقد ابتلع البحر أعز أهله وأصدقائه، وقضى في الجهاد أحب إخوته إليه وأغلى ما في الدنيا لديه، فما في الحياة بعد ذلك ما يشده إليها غير الأمل في المضي قدما لرفع راية الجهاد التي سقط تحتها الأبرار الأطهار، ففي ذلك وفاء