غير أن ما تركه للدنيا يبقى خالدا في الدنيا، وما عمله لآخرته يلقاه خالدا مع الخالدين. وأفضل ما أقامه في الدنيا هو تكوينه للدولة الجزائرية التي أخدت على عاتقها واجب (الجهاد في سبيل الله) ضد كل الحملات الصليبية.
و- خير الدين وموقعه في فن الحرب
لم تكن حروب (خير الدين) في البر والبحر إلا نوعا من (حروب الإيمان) التي عرفها العرب المسلمون ونشروها على الدنيا كلها. ولقد أبرزت الملامح العامة لسيرة (خير الدين) وفقا لما سبق عرضها أن هذا القائد العظيم قد جابه في حياته صعوبات لا نهاية لها، بل إن هذه السيرة لم تكن أكثر من سلسلة من العقبات والصعوبات الآخذ بعضها برقاب بعض والتي لم يكن أقلها مجابهة قوات متفوقة على قوته بما لا يمكن قياسه أو مقارنته في موازين القوى التقليدية، ولم يكن أقلها أيضا التعرض لنكسات مريرة وصلت به إلى حد التجرد من كل القوى، إلا قوة الثقة بالنفس والإيمان الذي لا حدود له، والتي لم يكن أقلها كذلك فقد الأعزاء - أخوته في الدم وفي الجهاد في سبيل الله حيث سقط الثلاثة فوق ثرى المغرب العربي الإسلامي -.
والأمر مماثل فيما تلقاه (خير الدين) من الغدر على أيدي أعداء الداخل من الخونة والذين خذلوه المرة بعد المرة، غير أن ذلك لم يضعف من تصميمه، أو ينال من عزيمته. ثم جاءت أخطار البحر والجوع والعطش والحرمان كلها لتحتل مكانتها في جملة ما جابهه (خير الدين) من العقبات والصعوبات.
وقد كان من المحال احتمال ذلك كله - أو حتى بعضه لولا