لقد فشلت كل المحاولات للنيل من الجزائر المجاهدة، وتحطمت كل أعمال العدوان على صخورها، وغرقت على سواحلها وفي مياهها كل الموجات الصليبية، ولم يكن تحرير وهران والمرسى الكبير أكثر من حلقة في صراع مرير لم يتوقف في يوم من الأيام. وبقيت (الجزائر المحروسة) رائدة للجهاد في سبيل الله، تبني قوتها الذاتية وتقارع أعداءها، وكانت في ذلك كله خيرة معطاءة، فقوتها لها ولكل المسلمين والأعداء هم أعداء لها وأعداء للمسلمين، هكذا كانت أبدا، ومضت الأعوام بعضها يمسك برقاب بعض والجزائر البعيدة عن مركز الخلافة الإسلامية تتبادل معها الدفاع وتنسق معها الجهد، وتحمل معها الأعباء القتالية في البر والبحر. وكانت الجزائر تمارس دورها بحرية تامة، وبمحض اختيارها وإرادتها، إذ لم تكن علاقتها بالخلافة الإسلامية أكثر من علاقة اسمية، فكان الولاة يستقلون بإدارة الجزائر الداخلية تمام الاستقلال، لا تربطهم بالدولة العليا سوى روابط الود والاعتراف بالحماية، وهي رابطة أشبه ما تكون بروابط الأحلاف. بل أن هذه العلاقة أو الرابطة كثيرا ما تترك للجزائر الحرية لانتهاج سياسة خارجية مغايرة لتلك التي تلتزم بها