الأولية، وما حدث في العالم العربي - خاصة - من ثورات واضطرابات ضد القمع الاستعماري وتأسست في الجزائر الجمعيات الثقافية والنوادي، وصدرت الصحف التي باتت منابر لمناقشات المثقفين بشأن واقع الجزائر وحاضرها ومستقبلها. وكانت أصداء هذه المناقشات تصل إلى قلوب الشعب فتهزها بعنف، وتوقظ فيها كوامن الغضب ضد الممارسات الاستعمارية من كبت للحريات واضطهاد للوطنيين وإلقائهم في السجون والمعتقلات، وانتهاك للحرمات والمقدسات. وانتهى ذلك إلى تحقيق نتيجتين أساسيتين: أولاهما: دعم الروابط الدينية والقومية والوطنية بين فئات الشعب المختلفة. وثانيتهما: اكتساب القدرة التنظيمية في الأحزاب والمنظمات والهيئات المختلفة، وتطوير العمل السياسي العلني منه والسري.
انتهت الحرب العالمية الثانية، وجاءت مذبحة (٨ - أيار - مايو - ١٩٤٥) لتفرض على الجزائر المجاهدة موقفا جديدا. فقد سقط في هذه المذبحة (٤٥) ألفا من شهداء الجزائر الأبرياء. وكان ذلك تحولا حاسما، إذ أدرك الجزائريون أنه من المحال عليهم بلوغ أهدافهم إلا بوسائط الصراع المسلح. وجاءت أحداث القمع التالية لتؤكد هذا المفهوم ولتترجمه إلى قناعة ثابتة، وأظهرت الأحزاب السياسية عجزها وقصورها، فكان البديل الطبيعي هو تطوير التنظيم السري من خلال (المنظمة الخاصة) في حزب الشعب الجزائري. وانصرف الجهد إلى جمع الأسلحة وإعداد الخلايا الثورية حتى يحين الوقت المناسب لتفجير الصراع المسلح. ورغم أن السلطات الاستعمارية قد اكتشفت بعض خلايا الجهاز السري، وألقت بقادته وموجهيه في السجون والمعتقلات، وحكمت على بعضهم