كالفجر الصادق ... وإننا لكذلك، فإذا بطلعة مهابة مشرقة أطلت علينا، فقام لها الجميع احتراما وتقديرا. ذلك هو الشيخ المجاهد المقدام - عبد الحميد بن باديس - وقد أخذ نجمه يتألق في سماء الكفاح، وأخذ اسمه يكتسح ميادين النضال، وأخذت بواكير أعماله الإصلاحية تبدد حجب الظلام الحالك ... وكأن عبد الحميد بن باديس، كان الحادي عشر من ذلك الرعيل الأول الذي بعث به عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي، لهذا المغرب العربي، يعلم الناس دينهم ويجدد إيمانهم ويمتن أخلاقهم ويهديهم سبيل الرشاد. وقد لا يستطيع أحد وصف هذا الرجل العملاق ... كان الرجل حذرا، إنه يشفق على مشاريعه العظيمة أن تخفق أو تصاب بنكسة، نتيجة لكلمة عابرة، ينقلها جاسوس، أو لتعبير يساء فهمه ويسوء نقله.
ولكن ها هو الآن - وبعد سنوات من الجهاد - وقد أصبح رجلا مكتملا هادفا، لقد أخذ يشق طريقه قدما نحو غايات بعيدة لم يكن يفصح عنها، إنما كانت تفصح عن نفسها من خلال كلماته. هذا رجل طلق الدنيا الرخيصة، بما فيها من شرور وأثام، وبما تحتويه من مباهج ومغريات، وأقبل على الدنيا الصالحة، دنيا العمل والجهاد، والتضحية والفداء. وبذل النفس في سبيل نفع المجموعة الجزائرية خاصة والأسرة الإسلامية عامة.
ولد عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي بن باديس في مدينة القسنطينة - المدينة التي طالما أتعبت قوات الغزو الاستعماري منذ أيام واليها أحمد باي. واحتفظت بكل أصالتها