الفيات، حتى إذا لم تبق في كنانة الحديث أية حثالة من ذكر السيارات لووا العنان إلى حديث الغانيات، هذا يقص نبأ ليلة قضاها مع (هيلينا) وذلك يذكر قطيعته مع (جوليات) الخ ...
ولم يكن رجال هذه الطبقة من المترفين بأسعد حالا من شبابها .. كانوا يجتمعون حلقة كبيرة يتجاوز عددها أحيانا العشرين رجلا في مقهى أوروبي يسمى (الفروبير) يقع بين حديقة السكوار وساحة الحكومة (حديقة بور سعيد وساحة الشهداء اليوم) ثم تنهال عليهم كؤوس الكحول الخالصة من شراب -الأنيزيت - يتلو عامرها ما فرغ منها، بين أحاديث بسيطة سامجة، عن سفرة فلان، ومائدة فلان، وزواج فلان، وخصومة فلان مع فلان، حتى إذا امتلأ الرأس كحولا، وارتخت الأعصاب، وتهاوت الأهداب، قام كل واحد منهم إلى سيارته الفاخرة، يمتطيها ولا يكاد يقوى على تسييرها. وأم بيته، حيث تنتظره السيدة الفاضلة التقية النقية بطعام العشاء. ويا لعظيم الفرق بين سيدات تلك الطبقة ورجالها. أما الرجال والشبان، فكما رأيت، وأكثر مما رأيت، وأما السيدات، ولم يختلطن بمستعمر، ولم يعرفن أجنبيا، ولم يترددن على مدرسة فرنسية، ولم يدخل العبث والرجس بيوتهن، فكن من أطهر وأجل ما يستطيع الإنسان ذكره عن سيدة كاملة، مسلمة عربية تقية طاهرة ورعة. حفظت من جزائر الأجداد دينها وإيمانها وعروبتها وعزتها وشرفها. وورثت عنها ابنتها تلك التقاليد وتلك الأخلاق. أما الرجال والشبان فقد جرفهم التيار الأوروبي الجامح، وتلقوا في المدارس شر ما يتلقاه شاب في مدرسة: لا دين ولا شرف ولا أخلاق ولا وطنية، قشور