(وكان الجزائريون المتخرجون من جامعة الزيتونة في تونس، والأزهر في القاهرة، يجعلون من نهضة الإسلام والقومية العربية الشروط الأولى للنهضة الجزائرية. وكان أنصارهم من جماهير الفلاحين يشكلون عددا ضخما. فقد كان الشعب الجزائري الذي أرهقه حكم بولسي، واستثمار عنصري، ينطوي على نفسه، ويتمسك بقوة بعقيدته الدينية وانتمائه القومي)(١). وكان لا بد لهذا التيار من أن يضم إليه بالضرورة كل أولئك الذين يلتقون معه فكريا وعقائديا، ممن يمثلون الطليعة الفكرية، سواء كان هؤلاء من رجال الصحافة أو من الشعراء أو من الأدباء. وكان لا بد لهذا التيار أيضا من أن يؤثر بقوته على كل التيارات الفرعية التي تمارس عملها بعيدا عن التنظيم، إذا صح التعبير، ويمثل الفئة الأولى الشاعر الجزائري الثائر - محمد العيد - والأستاذ أحمد رضا حوحو، في حين يمثل الفئة الثانية الشيخ إبراهيم بن عمر بيوض - قائد النهضة الإسلامية في ميزاب، ومعه الصحافي (أبو اليقظان).
هذه النماذج - وأمثالها مما يصعب حصره - هي التي عبرت عن تيار الأصالة الثورية، وإذا كان هذا التيار قد استطاع إبراز هذه النماذج ورفعها، فإنه كان ولا ريب تيارا عنيفا، قويا، جبارا، ضم جيوشا من الجنود المجهولين الذين مارسوا دورهم بتجرد وإنكار للذات لا يعرفه إلا أولئك المتصوفة. وشتان بين الصوفية السلبية الهروبية، وبين هذه الصوفية المخلصة الإيجابية. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، فإن هذا التيار هو نسيج متصل، شأنه في ذلك
(١) ليل الاستعمار (فرحات عباس) ترجمة وليم خوري - ص ٢٧٠.