ولم يكن باستطاعة هذه الصناعات أن تصمد في وجه الصناعات التي اشتهرت باريس في إنتاجها، لا سيما وأن أسعار هذه الصناعات الغربية- الافرنسية - طرحت لتكون منافسة لأسعار الصناعات التقليدية. فأخذت هذه الصناعات في الانحدار والتقهقر ومن ثم الانقراض. وتخلى الصناع عن ورشاتهم ومحلاتهم وأغلقوها. فزالت الأسواق الوطنية الجميلة، لتحل محلها مراكز البيع العصرية التي يديرها الأوروبيون.
وقد شكل القضاء على الصناعة الوطنية التقليدية عاملا إضافيا زاد من صعوبة الأزمة الاقتصادية التي فرضها النظام الاستعماري على الوطن الجزائري والمواطن الجزائري. ولم تحاول الإدارة الاستعمارية بالمقابل إقامة صناعة حديثة في الجزائر، بالرغم من توافر المواد الأولية (الحديد، والفوسفات، والجبس، والفحم، والطاقة الهيدروليكية - ثم الطاقة البترولية في الفترة الأخيرة)، وحتى الصناعات الغذائية احتكرتها فرنسا، ولم تسمح بإقامتها في الجزائر. وعندما وقعت الحرب العالمية الثانية، شعرت فرنسا بالحاجة لإقامة صناعات في مستعمراتها لدعم مجهودها الحربي، فأقامت في الجزائر بعض المصانع الصغرى التابعة للمؤسسات الصناعية الضخمة في فرنسا، وذلك حتى لا يكون هناك تناقض مع المبدأ الذي تبنته فرنسا وهو:(أن فتح مصنع بالجزائر معناه إغلاق آخر في فرنسا والقضاء بالتالي على الاقتصاد الافرنسي) فكانت المصانع التي أقيمت، في معظمها، فروعا للمعامل الافرنسية. ولقيت إقامة هذه الصناعات تشجيعا حيث يتوافر في الجزائر السوق المربحة، والمواد الأولية واليد العاملة الرخيصة.