الجزائر لم يكن إلا وسيلة لضمان السيطرة الاستعمارية، وتأمينا للنهب الاستعماري. وقد قام هذا الاستعمار الاستيطاني بواجبه على أكمل وجه في تنفيذ المخططات الاستعمارية الإفرنسية. وكان لا بد للمستوطنين من امتيازات مقابل الخدمات التي كانوا يقدمونها للوطن الأم. وعلى هذا فمن المحال فصل الاستعمار الإفرنسي عن أجهزته التنفيذية والممثلة بالاستعمار الاستيطاني. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فقد تعاقب على حكم فرنسا منذ استعمارها للجزائر سنة ١٨٣٠ وحتى الثورة المباركة للجزائر في سنة ١٩٥٤ أنظمة امبراطورية وملكية وجمهورية، يمينية، يسارية، وكلها سلكت خطا ثابتا تجاه الجزائر، أليس في ذلك ما يدين فرنسا الاستعمار وفرنسا الدولة؟ علاوة على ذلك، فقد حاول الجزائريون منذ استعمار فرنسا لبلادهم أن يعملوا على إصلاح المفاسد بالتوجه الى الحكم الافرنسي - في باريس مباشرة. وكانت هذه المحاولات تصطدم داما بمدافع فرنسا الطويلة. ولقد بقي هذا الحلم الخادع، والسراب المضلل، أمل أولئك الذين نشأوا في أحضان (المدرسة الإفرنسية) ونادوا بدمج الجزائر بفرنسا. وهم يفصلون في محاولاتهم تلك بين الاستعمار الإفرنسي وجهازه التنفيذي (الاستعمار الاستيطاني) حتى تبين لهم في النهاية صعوبة إجراء مثل هذا الفصل، ولم يجدوا أمامهم في النهاية غير طريق الثورة.
وبعد، قد يكون من الصعب في هذه العجالة، عرض كل ملامح الجزائر عشية ثورتها، سواء في مجال التمييز العنصري بين المسلمين الجزائريين، والعنصريين الإفرنسيين، أو في مجال التمييز في الوظائف والخدمات - وحتى الخدمة في الجيش - أو في مجال الرعاية الصحية.