جميل (جاكيت) وبنطالا منفوخا، على نحو ما كانوا يلبسونه في ذلك العصر، مع قبعة سوداء. وسارت الأمور بالنسبة له على أفضل ما يرام أما أخته فكأن عليها تمثيل دور فراشة وردية اللون، وبذلك يكون - ابني وابنتي - قد حصلا على الدورين الرئيسيين في التمثيلية.
جاء موعد الاحتفال، وغصت ساحة مدرسة (دوري) بالمدعوين الذين كان معظمهم من الفرنسيين. وكان يلزمني قدر غير قليل من الشجاعة حتى أتمكن من الاختلاط بهم، أنا (فاطمة الصغيرة) ذات الحجاب المسدل على الوجه، والثياب البيضاء الطاهرة، سأظهر بينهم مثل حيوان (البطريق). المهم في الأمر هو أن الحفلة بدأت بعزف النشيد الوطني الإفرنسي - المارسييز - ووقف الجميع - إلا فاطمة الصغيرة - التي بقيت جالسة على كرسيها، متجاهلة كل ما كان يدور حولها. واستدارت الرؤوس نحوها، وهي تحدجها بنظرات ساخطة تعبر عن غيظ أصحابها، غير أنه ما من أحد تجرأ على توجيه أية ملاحظة. وانصرفت (فاطمة الصغيرة) سعيدة إذ رأت (ابنها وابنتها) وهما يمثلان دوريهما بنجاح رائع.
كنت وأنا أتابع التمثيلية، أفكر بأمر ذلك اليوم الذي سيأتي، وينضم فيه أولادي إلى قوات جيش التحرير الوطني، لخوض حرب
التحرير. وقد قيل لي، بأن فرنسيا من هذه المدرسة ذاتها، كان رفيقا لابني البكر على مقعد الدراسة، هو الذي قتله في (بوغاره) التي كانت تعرف باسم (روفيغو) وأنه قتله على الرغم من أنه عرفه، ثم تعرف على جثته.
كان لي ولدان كبيران، ابني البكر الذي مضى مجاهدا مع إخوانه مجاهدي الجزائر، والابن الأصغر - الثاني - والذي انضم إلى الثوار - الماكي - حتى لا يؤدي خدمته الإلزامية في الجيش