وكذلك الجولات التي قام بها الضباط - بصورة شخصية - على القرى - لتسجيل المقترعين، وهؤلاء الذين لم يسجلوا، لم يكوبوا جميعا من أعضاء جيش التحرير الوطني، بل جزائريين يعارضون الحكم الفرنسي وهكذا تظهر هذه الأرقام أيضا أن أكثر من مليون شخص من الذين سجلوا لم يقترعوا أيضا، وجميع هؤلاء طبعا من الذين لو اقترعوا لقالوا (لا) إذ أنهم كلهم من الجزائريين المسلمين، وتكون نتيجة أرقام الفرنسيين أنفسهم، أن أكثر من مليوني جزائري، أي أكثر من نصف عدد الذكور البالغين قد تمكنوا من إظهار معارضتهم للنظام الاستعماري الفرنسي، بشكل أو بآخر. ولم تحاول جبهة التحرير أن تهتم (بلعبة الأرقام) هذه منذ البداية، بل أعلنت استنكارها للاستفتاء على أنه تزييف للنظم الديموقراطية. وكما وقع في معركة الجزائر ذاتها، لم تكن كفتا الميزان في معركة الاستفتاء متعادلتين، ذلك لأن وطأة ضغظ الجيش الفرنسي، وقعت على المدنيين من الجزائريين، وهم أقل قدرة على المقاومة والاحتمال. وكان على الجيش الجزائري أن يختار بين أحد أمرين: أما أن يستخدم القوة لمنع الشعب الجزائري من الاشتراك في الاستفتاء، أو أن يسمح لهم باتخاذ موقف (عمل ما يمكن عمله) ليجنبهم عنف الجيش الفرنسي وإرهابه، وقد ترك الجيش الجزائري اتخاذ القرار النهائي للقادة المحليين، وبالطبع، آثر الكثيرون منهم عدم اتخاذ أي إجراء عسكري فجاءت نتيجة الاستفتاء الظاهرة، بانتصار الفرنسيين شيئا مؤلما (١).
(١) الجزائر الثائرة (جوان غيلسبي) تعريب خيري حمان - دار الطليعة - بيروت - ١٩٦١ ص ١٩٩ - ٢٠٠.