البرلمان - الفرنسي - أن يرسم ذلك بشكل قانوني، منعا لكل التباس) (١)، وآخرون من رجال السياسة يرون ان فرنسا قد وضعت يدها على (مال متروك لا صاحب له). طبعا، فالمسألة مسألة أرض خالية لا يقطنها أحد ولا يملكها أحد!! وأولئك المليون مخلوق بشري من أبناء صحراء الجزائر؟ إنهم غير موجودين، بإرادة القانون ووقاحة الاستعمار!! لقد أصبحت عادة من العادات تلك الصيحة التي يرددها رجال فرنسا في الجزائر، كلما دخلوا مكانا ليس فيه سوى المسلمين:(لا يوجد أحد)، أما (آل رغيبة) و (الطوارق) و (الهقار) و (العجار) و (سكان الواحات) فليسوا جميعا سوى ذرات من الرمال.
ومعلوم أن الأرض تعتبر خالية - بلا صاحب - منذ الوقت الذي لا تمارس عليها أية سلطة، والصحراء الجزائرية ينطبق عليها هذا التعريف في نظرهم، لأن القبائل التي تقطنها لا عهد لها بمفهوم السلطة والسيادة على النحو المعروف لدى الأوروبيين في قانونهم الدولي العام. وليس بالإمكان الإنحاء باللوم على (قيصر) لأنه كان يجهل البارود، ولكن ذلك مثال التعليل الاستعماري القائم على عناصر يعتبرونها في قاموسهم مطلقة على حين أنها ليست إلا نسبية، وهم لا يلتفتون، مع ذلك، إلى واقع أن هذه القبائل التي يعترفون بأنها (محاربة موهوبة) إنما تقيم لسيادتها واستقلالها مفهوما يتسم بالغيرة، بل حتى بالمغالاة. وتبقى الحقيقة الوحيدة، وهي أن فرنسا لا تملك سندا قانونيا صحيحا يخولها ضم الجزائر اليها، سواء في ذلك القسم الشمالي منها أو الجنوبي، وليست فرنسا سوى سلطة
(١) الثورة الجزائرية والقانون - محمد البجاوي - ص ٣٤٩ - ٣٨١.