تظنه فرنسا، وأن كافة التهديدات والمناورات غير قادرة على تليين إرادتها أو حرفها عن هدفها، لقد قاتل الشعب الجزائري دفاعا عن حياضه طوال مائة وثلاثين عاما، كما خاض الحربين العالميتين الأولى والثانية دفاعا عن فرنسا ذاتها، في الوقت الذي كان فيه قادة فرنسا (مارشالاتها وجنرالاتها) يوقعون صكوك الاستسلام، ويمهرون اتفاقات الذل والعار بتواقيعهم.
لم يقتنع الجنرال (ديغول) بمنطق الأحرار، فعاد من جديد إلى التهديد (بالتقسيم) في مناورة غير بارعة حيث قال: (إنه إذا لم يتم الاتحاد بين فرنسا والجزائر، فسيكون من الضروري في النهاية أن تجمع فرنسا في منطقة واحدة، جميع السكان الذين يرفضون أن يكونوا في دولة مصيرها الفوضى ...) وكشف (ديغول) بذلك الخطة الجديدة لإثارة التخريب والفوضى في الجزائر، إذا ما هي صممت على متابعة طريقها الاستقلالي. وكان رد الثورة الجزائرية ممثلا بالمقولة التالية (سيكون مصير الجزائر المستقلة هو التقدم والازدهار، لا الفوضى والخراب، بل إن هذا التفكير الفرنسي هو الذي سينتهي إلى الفوضى والخراب. إن على السكان الذين يرفضون أن يعيشوا في الجزائر المستقلة أن يخرجوا من الجزائر، عليهم أن يرحلوا عن الجزائر حالا، إننا لا نعرف بلدا يخضع مصيره إلى رغبات جزء من السكان يرفضون أن يتبعوا وطنهم، تماما كما ترفض فرنسا أن تربط الوطن برغبات مجنونة - هستيرية، تنادي بها أية جماعة في فرنسا، ترفض أن تتبع فرنسا).
لقد حاولت فرنسا - بمختلف الوسائل، وبشتى الأساليب - الوصول إلى أهدافها، لإطالة عمر الاستعمار والعمل على تطويره، وكان في جملة وسائلها محاولة الالتفاف من حول هذه القيادة العنيدة