فيه قبل مجيء ديغول إلى الحكم، وكانت فئات كثيرة في الجيش والمستوطنون المتطرفون، وأصدقاؤهم، وعملاؤهم في فرنسا، قد تملكهم الهياج، بل وراحوا يتحدثون عن القيام بالثورة مرة أخرى، ولكن كان يبدو (ديغول) ما زال يستطيع السيطرة عليهم.
وبالرغم من أن الكثيرين من المراقبين فسروا العرض الذي تقدم به في ١٦ أيلول - سبتمبر - بأنه مقامرة، فإنه كان واثقا من الكسب فيها، إنه بدلا من أن يحاول إغراء المسلمين على البقاء مع فرنسا، كان أكثر اهتماما بالقضاء على المحنة الجزائرية، بأسرع ما يمكن حتى يتمكن من السير قدما في تنفيذ مشاريعه بدرجة أسرع.
ومقابل ذلك، ظهر أن جبهة التحرير الوطني باتت أكثر استعدادأ لقبول تسوية سلمية بشروط تقل كثيرا عن مطالبها الأصلية بالاستقلال فورا؛ وكان معنى هذا أن الاستقلال لن يكون فوريا وإنما بعد فترة من الاستعداد. وساد الاعتقاد أن هذا سوف يجعل الانتقال إلى الحكم الذاتي وإقامة النظم الجديدة أكثر يسرا مما كان متوقعا، وكان يبدو أيضا أن الخطط الرامية إلى انشاء إتحاد كونفيديرالي يضم شمال أفريقيا ويرتبط بفرنسا بعلاقات وثيقة، سوف تنفذ كما سبق رسمها. وبالاختصار، كان في وسع أغلبية الفرنسيين والجزائريين، وأصدقاء الطرفين، أن تتنبأ باقتراب نهاية مرضية نسبيا للثورة الجزائرية، وهو أمر كان يبدو إلى عهد قريب أملا خياليا. غير أن الحدث الذي مارس دور المسرع في التحولات الحاسمة هو حركة تمرد المستوطنين في الجزائر؛ ففي يوم الأحد الموافق ٢٤ كانون الثاني - يناير - ١٩٦٠، تفجر الموقف عن حركة تمرد قتل فيها ٢٥ وجرح ١٣٦ من الفرنسيين، وظل حوالي الثلاثة آلاف من المتمردين متحصنين وراء المتاريس التي أقاموها بالقسم الأدنى من المدينة في