إعطاء فرنسا امتيازات فيما يتعلق (بشركات استغلال الثروة المعدنية والبترولية) وتعويض المستوطنين مقابل (تنازلهم) عن الأراضي التي كانوا يمتلكونها ومساحتها ثلاثة ملايين هكتار، ووضع الجزائر من جديد تحت هيمنة الفكر الفرنسي - من خلال الاتفاقات الثقافية - الخ ...
هنا لا بد من القول أن فرنسا التي أقامت فوق أرض الجزائر طوال (١٣٠) عاما، قد تركت رواسب عميقة (اجتماعية وثقافية وفكرية) فكان من الصعب على قادة الثورة التفكير في اجتثات هذه الرواسب دفعة واحدة.
وكانت جزائر الثورة مثخنة بالجراح، فكانت في حاجة لبلوغ أهدافها على مراحل، وعلى هذا فإن اتفاقيات إيفيان لم تكن أكثر من مرحلة لبلوغ الاستقلال؛ وذلك لإعادة بناء الجزائر وتضميد جراحها، وتصفية الرواسب حتى تستعيد الجزائر أصالتها ويعود إليها وجهها العربي - الإسلامي الأصيل.
لقد صمتت الأسلحة، وتوقف الصراع المسلح، وبدأت مرحلة جديدة من الصراع الشاق المرير ضد رواسب الاستعمار، وضد مخططاته العدوانية التي تأخذ أشكالا متطورة تحقق أهداف الاستعمار ولكن من غير الاحتكام إلى السلاح، وعن طريق رعاية (الجذور) التي خلفها الاستعمار ورعاها حتى تنبت باستمرار الأشواك الدامية، تدمي بها أقدام الاحرار وتعيقهم عن تحقيق أهدافهم في بناء الجزائر العربية الاسلامية التي لا يمكن لها أن تستعيد أصالتها إلا بالجهد المشترك مع جاراتها العربيات (المغرب وتونس) وإلا بإعادة تقويم عملية البناء باستمرار حتى تستعيد الجزائر أصالتها العربية والإسلامية.