يكن القادة التاريخيون يعرفون يقينا مدى استعداد الجزائر للاحتراق بنار الثورة، لما أطلقوا شرارتها، ولما وجهوا بيانهم التاريخي إلى (الشعب الجزائري)، ولما كان باستطاعتهم تطوير تلك الهجمات الأولية المذهلة التي شنت في ليل (عيد جميع القديسين)، ولكان في وسع الفرنسيين القضاء بسهولة على الثورة وهي في مهدها، بما لديهم من جيوش مجهزة أحسن تجهيز، ووافرة العدد والوسائط القتالية، وكان الواجب الأول الملقى على عاتق جبهة التحرير الوطني أن تحصل على الدعم الشعبي اللازم لتطوير الثورة واستمرار تصاعد قوتها. وقد تضمنت وثيقة إعلان الثورة الأسس والمبادىء التي وردت بوضوح أكبر في (منهح الصومام) مما يؤكد وضوح الخط الثوري، وضوحا لا يقبل الجدل أو النقاش.
لقد توجهت قيادة جبهة التحرير الوطني ببياناتها إلى (الشعب الجزائري) مباشرة، وبات لزاما عليها أن تتخذ موقفا واضحا من مراكز القوى المختلفة والتي طالما أدت صراعاتها إلى خدمة الأهداف الاستعمارية وإلى تشتيت القوى وتمزيقها، ولقد تضمن البيان الأول للثورة نداءا إلى جميع الجزائريين على اختلاف أحزابهم وطبقاتهم إلى أن يتبنوا حركة النضال في سبيل الاستقلال، وبات واضحا تماما أن جبهة التحرير ليست (تجمعا للأحزاب) وإنما هي جبهة مفتوحة على كل المواطنين للعمل تحت راية الجبهة ببرامج جديدة وأهداف واضحة، بصرف النظر عن كل الآراء السياسة التي كان يحملها هؤلاء المواطنون قبل الثورة. وبكلمة أخرى فإن الجبهة أظهرت استعدادها لاحتضان كل الأحزاب لا بصفتها الحزبية وإنما بصفتها مجموعة من المواطنين المستعدين لحمل راية الثورة. وعندما قامت الإدارة الفرنسية بحل (حركة انتصار الحريات الديموقراطية) قام