مناقشة قضية الجزائر في البرلمان الإفرنسي ليقول:(أن احتلال الجزائر ليس إلا محاولة جنونية، وهو هوة سحيقة تستنزف جميع خيرات البلاد الإفرنسية) أو قول مقرر الميزانية الحربية عند مناقشة موازنة سنة ١٨٤٣: (إنني أفضل أن استبدل الجزائر يأجمعها بكوخ صغير من أراضي الراين).
خلال تلك الفترة من سنة ١٨٣٤، لم تكن فرنسا قد سيطرت عسكريا إلا على المنطقة الساحلية، فقد احتلت وهران (سنة ١٨٣٠) في الغرب وتبعتها مستغانم وأرزيو (سنة ١٨٣٣). وكانت مدينة الجزائر وأطرافها بأيديهم في الوسط. أما في الشرق، فقد خضعت عنابة (بونه) لحكم متناوبا للسلطات الوطنية والإفرسمة، إذ احتلها الإفرنسيون مرات متعاقبة وأخلوها بعد أن مني الإفرنسيون بخسائر جسيمة، وصلت أحيانا إلى حد ذبح الحامية الإفرنسية بكاملها. أما بين عنابة والجزائر، وفي موقع متوسط بينهما، فقد كان هناك خليج بحري تقوم بجنوبه (بوجي) التي احتلتها في سنة ١٨٣٣ حملة إفرنسية جاءت إليها من فرنسا مباشرة. غير أن قوات هذه الحملة بقيت محاصرة داخل المدينة، حيث كان رجال القبائل المنتشرين على مقربة منها يهاجمون القوات الإفرنسية باستمرار.
ولم يكن من السهل إخضاع هذه القبائل أو مخالفتهم. أو اجتياز الطرق عبر أراضيهم، فبقيتا القوات الإفرنسية محاصرة فوق أرض الساحل. ولقد حاول الإفرنسيون التوسع نحو الداخل، غير أن تقدمهم كان بطيئا جدا بسبب المقاومة المتصاعدة. ولم تكن سهول متيجة (متوجة) في جنوب مدينة الجزائر هادئة أو خاضعة خضوعا تاما للإفرنسيين وذلك بسبب سيطرة القبائل العربية العديدة على أرض هذا السهل.