للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان نبلاء المغرب العربي - الإسلامي خلال تلك الفترة ينتمون إلى فئتين متميزتين: فئة المرابطين وفئة الأجواد. وكانت الفئة الأولى تستمد هيبتها ونفوذها من زعامتها (الدينية) في حين كانت الفئة الثانية تعتمد في وجودها على (السيف). ولم تكن المنافسة معدومة بين الفئتين، فكان المرابطون يتهمون الأجواد بالعنف والتهور وحب النهب، في حين كان الأجواد يتهمون المرابطين بالطموح المقنع، وبالبحث عن النفوذ والسلطة والثروة من خلال العمل للدين وللدين فقط. ولم يكن في هذه الاتهامات ما يعيب الطرفين على كل حال إذ كانت هذه الفضائل بمجموعها قاسما مشتركا أكثر منها فارقا فاصلا، ولو أن الهدف النهائي كان مختلفا، فالمرابطون يعملون لآخرتهم بأكثر مما يعملون لدنياهم، والأجواد يعملون لدنياهم أكثر مما يعملون لأخرتهم.

فتح الوليد عينيه ليتعرف على الدنيا من حوله، فكان أول ما أدركه شدة حدب أبيه عليه وحنوه وهو يحتضنه إليه، وإيثاره على أخوته، ولم يكن في ذلك ما يثير الحياء اوالخوف، وعلى الرغم من ذلك فقد ظهر وهو (يخاف حتى من ظله). ولعل نعومة تكوينه كانت مصدر مخاوفه فقد خلق جذابا وسيما، يكاد جماله يقترب به إلى الجمال الأنثوي من الجمال الرجولي، له أنف متوسط يبرز من وجهه بشكل رائع لا هو بالأنف الإغريقي ولا هو بالروماني، وإنما هو وسط بينهما، وتحته شفتان منحوتتان بدقة ومضغوطتان قليلا تنمان عن التحفظ المهيب والثقة بالهدف. بينما تشع عيناه الصافيتان العسليتان تحت جبهة عريضة في بياض الرخام مع نعومة مكتومة وحزينة، أو تتالقان بأشعة العبقرية والذكاء.

كان ذلك هو عبد القادر بن محيي الدين - المشهور بالجزائري.

<<  <  ج: ص:  >  >>