عَلَيْهَا مَجَازًا وَلِأَجْلِ هَذَا التَّحْدِيدِ لَا تَكُونُ الْعَذِرَةُ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ نَجِسَةً وَلَا طَاهِرَةً لِعَدَمِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْأَفْعَالِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ. تَتْمِيمٌ كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ وَسَبَبُ الطَّهَارَةِ عَدَمُ سَبَبِ النَّجَاسَةِ لِأَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْمَعْلُولِ وَلَمَّا كَانَتْ عِلَّةُ النَّجَاسَةِ الِاسْتِقْذَارَ عَمَلًا بِالْمُنَاسَبَةِ وَالِاسْتِقْرَاءِ وَالدَّوَرَانِ وَكَانَتِ النَّجَاسَةُ تَحْرِيمًا كَانَ عَدَمُ الِاسْتِقْذَارِ عِلَّةً لِعَدَمِ ذَلِكَ التَّحْرِيمِ وَإِذَا عُدِمَ التَّحْرِيمُ ثَبَتَتِ الْإِبَاحَةُ وَهِيَ الطَّهَارَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ فِي الشَّرْعِ وَغَيْرِهِ فَكُلُّ عِلَّةٍ لِتَحْرِيمٍ يَكُونُ عَدَمُهَا عِلَّةً لِلْإِبَاحَةِ كَالْإِسْكَارِ لَمَّا كَانَ عِلَّةً لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ كَانَ عَدَمُهُ عِلَّةً لِإِبَاحَتِهَا. فَإِنْ قِيلَ تَعْلِيلُ النَّجَاسَةِ بِالِاسْتِقْذَارِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ وَلَا مُنْعَكِسٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِدَلِيلِ الْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ وَالْعَرَقِ الْمُنْتِنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا مُسْتَقْذَرَةٌ وَلَيْسَتْ نَجِسَةً وَأَمَّا الثَّانِي فَلِنَجَاسَةِ الْخَمْرِ وَلَيْسَتْ مُسْتَقْذَرَةً. قُلْنَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَمُسْتَثْنَى لِضَرُورَةِ الْمُلَابَسَةِ وَأَمَّا الثَّانِي فَالْعَكْسُ غَيْرُ لَازِمٍ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّ بَعْضَهَا يَخْلُفُ بَعْضًا وَنَجَاسَةُ الْخَمْرِ مُعَلَّلَةٌ بِالْإِسْكَارِ وَبِطَلَبِ الْإِبْعَادِ وَالْقَوْلُ بِنَجَاسَتِهَا يُفْضِي إِلَى إِبْعَادِهَا وَمَا أَفْضَى إِلَى الْمَطْلُوبِ فَهُوَ مَطْلُوبٌ فَيَكُونُ التَّنْجِيسُ مَطْلُوبًا. وَقُدِّمَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ تَكْمِيلًا لِفَائِدَةِ الْكَلَامِ عَلَى لَفْظِ الطَّهَارَةِ وَالِاكْتِفَاءِ بِهِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى النَّجَاسَةِ. وَهَذَا الْكِتَابُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَقَاصِدَ وَوَسَائِلَ لِتِلْكَ الْمَقَاصِدِ وَالْوَسَائِلُ يَتَقَدَّمُ فِعْلُهَا شَرْعًا فَيَجِبُ تَقَدُّمُ الْكَلَامِ عَلَيْهَا وَضْعًا. فَأَوَّلُ الْوَسَائِلِ مَحَلُّ الْمَاءِ وَلَمَّا كَانَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي الْأَعْضَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَتِهَا حَتَّى يُلَاقِيَ الْمَاءُ الطَّهُورُ الْأَعْضَاءَ الطَّاهِرَةَ وَجَبَ بَيَانُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ مَا هِيَ ثُمَّ كَيْفِيَّةُ إِزَالَتِهَا فَهَذِهِ أَرْبَعُ وَسَائِلَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute