(مَسْأَلَةٌ)
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَوَّلِ الْعَصْرِ الَّذِي أَدْرَكته هَل يدْخل الزّهْد والروع فِي الْمُبَاحِ فَسَلَّمَهُ بَعْضُهُمْ وَمَنَعَهُ آخَرُونَ وَصَنَّفَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَأَكْثَرُوا التَّشْنِيعَ فَقَالَ الْأَنْبَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَدْخُلُ الْوَرَعُ فِيهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَوَّى بَيْنَ طَرَفَيْهَا وَالْوَرَعُ مَنْدُوبٌ وَالنَّدْبُ مَعَ التَّسْوِيَةِ مُتَعَذِّرٌ وَعَمِلَ فِي ذَلِكَ مُجَلَّدًا وَقَالَ بَهَاءُ الدِّينِ بْنُ الْحِمْيَرِيِّ وَغَيْرُهُ بَلْ تَدْخُلُ وَمَا زَالَ السَّلَفُ الصَّالِحُ عَلَى الزُّهْدِ فِي الْمُبَاحَاتِ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا} وَغَيْرُهُ مِنَ النُّصُوصِ وَالْكُلُّ عَلَى الصَّوَابِ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنَّ الْمُبَاحَ لَا زُهْدَ فِيهِ وَلَا وَرَعَ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ وَهُمَا فِيهِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ الِاسْتِكْثَارَ مِنَ الْمُبَاحِ يُخْرِجُ إِلَى كَثْرَةِ الِاكْتِسَابِ الْمُوقِعِ فِي الشُّبُهَاتِ وَبَطَرِ النُّفُوسِ لقَوْله تَعَالَى {إِن الْإِنْسَان ليطْغى أَن رَآهُ اسْتغنى} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا الْمُبَاحُ وَسِيلَةٌ لَهُ فَهُوَ مَزْهُودٌ فِيهِ بِالْعَرَضِ لَا بِالذَّاتِ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ الزُّهْدُ غير الْوَرَعُ فَالزُّهْدُ فِي الْحَلَالِ لَا فِي الْحَرَامِ وَحِفْظُ الْمَالِ خَوْفَ الْمَسْأَلَةِ مَأْمُورٌ بِهِ
الْوَرَعُ هُوَ تَرْكُ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِمَّا بِهِ الْبَأْس وَأَصله قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا شُبُهَاتٌ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ) وَهُوَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ وَمِنْهُ الْخُرُوجُ عَنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَإِنِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي فِعْلٍ هُوَ مُبَاحٌ أَمْ حَرَامٌ فَالْوَرَعُ التَّرْكُ أَوْ مُبَاحٌ أَوْ وَاجِبٌ فَالْوَرَعُ الْفِعْلُ مَعَ اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ حَرَامٌ فَالْوَرَعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute