فَالشَّبَهُ وَاقِعٌ فَلِمَ أُنْكِرَ التَّشْبِيهُ وَأَجَابُوا بِأَنَّ عَذَابَ اللَّهِ تَعَالَى حَاثٌّ عَلَى طَاعَتِهِ وَمَانِعٌ مِنْ مُخَالَفَتِهِ هَذَا وَضْعُهُ فَمَنْ أُوذِيَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ أَيْ بِسَبَبِهَا فَجَعَلَ ذَلِكَ حَاثًّا عَلَى طَاعَةِ الْخَلْقِ فِي مُوَافَقَتِهِمْ عَلَى تَرْكِ الطَّاعَةِ وَمُلَابَسَةِ الْمَعْصِيَةِ فَهَذَا جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ فَاسْتَحَقَّ الذَّمَّ فِي إِيقَاعِ الشَّبَهِ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
(مَسْأَلَةٌ)
التَّطَيُّرُ وَالطِّيَرَةُ حرَام لما فِي الحَدِيث أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُحِبُّ الْفَألَ وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ وَلِأَنَّهَا مِنْ بَابِ سُوءِ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَن التطير هُوَ الظَّن السيىء بِاللَّهِ وَالطِّيَرَةَ هُوَ الْفِعْلُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ وَلَا يَكَادُ الْمُتَطَيِّرُ يَسْلَمُ مِمَّا تَطَيَّرَ مِنْهُ إِذَا فَعَلَهُ وَغَيْرُهُ لَا يَتَأَذَّى بِهِ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ الْمُتَطَيِّرُ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ يَضُرُّهُ فَضَرَّهُ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى سُوءِ الظَّن وَغير المتطير لم يسيء ظَنّه بِاللَّه فَلم يواخذه وأصل ذَلِك قوه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِكَايَةً عَنِ اللَّهِ
(أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ) وَفِي رِوَايَةٍ فَلْيَظُنَّ بِي خَيْرًا ثُمَّ هَذَا الْمَقَامُ يَحْتَاجُ إِلَى تَحْقِيقٍ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ خَافَ الْهَلَاكَ عِنْدَ مُلَاقَاةِ السَّبُعِ لَمْ يَحْرُمْ إِجْمَاعًا فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ فِي الْعَالَمِ قِسْمَانِ مَا جَرَتِ الْعَادة بِأَن مُؤْذٍ كَالسُّمُومِ وَالسِّبَاعِ وَمُعَادَاةِ النَّاسِ وَالتُّخُمِ وَأَكْلِ الأغذية الثَّقِيلَة المنفخة عِنْد سيىء الْهَضْمِ وَنَحْوِهَا فَالْخَوْفُ فِي هَذَا الْقِسْمِ لَيْسَ حَرَامًا لِأَنَّهُ خَوْفٌ عِنْدَ سَبَبٍ مُحَقَّقٍ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَا عَدْوَى مَحْمُولٌ عَلَى بَعْضِ الْأَمْرَاضِ بِدَلِيلِ الْوَبَاءِ وَقِسْمٌ لَمْ تَطَّرِدِ الْعَادَةُ بِأَذِيَّتِهِ كَالشَّقِّ وَالْعُبُورِ بَيْنَ الْغَنَمِ وَشِرَاءِ الصَّابُونِ يَوْمَ السَّبْتِ وَنَحْوِهَا فَهَذَا حَرَامٌ الْخَوْفُ مِنْهُ لِأَنَّهُ سُوءُ ظَنٍّ بِاللَّهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ وَمِنَ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ قَرِيبٌ مَنْ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ وَلم تتمخض كَالْعَدْوَى فِي بَعْضِ الْأَمْرَاضِ وَنَحْوِهَا فَالْوَرَعُ تَرْكُ الْخَوْفِ حَذَرًا مِنَ الطِّيَرَةِ وَمِنْ ذَلِكَ الشُّؤْمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute