الرُّكْن الرَّابِع: الْوَاجِب وَفِيهِ لِلْعُلَمَاءِ ثَلَاثُ طُرُقٍ مِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ الْمِثْلَ مُطْلَقًا مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} فَجَعَلَ النَّعَمَ مِثْلِيًّا وَبِأَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ لله أَهَدَتْ إِلَيْهِ طَعَامًا فِي قَصْعَةٍ وَهُوَ فِي بَيْتِ غَيْرِهَا فَغَارَتْ صَاحِبَةُ الْبَيْتِ فَكَسَرَتْهَا فَأَمَرَ عَلَيْهِ السَّلَام بقصعة صَاحِبَة الْبَيْت لصاحبة الْقِصَّة الْمَكْسُورَةِ وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمِثْلُ فِي الصّفة دون الْمَالِيَّة والمقدار وَالْمَطْلُوب هَا هُنَا حِفْظُ الْمَالِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّعَامَةَ يُحْكَمُ فِيهَا ببدنة وَهِي بعيدَة جدا من مَالِيَّتِهَا وَمِقْدَارِهَا وَعَنِ الثَّانِي: بِأَنَّ الْبَيْتَيْنِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ بَلْ مِنْ بَابِ جَبْرِ الْقُلُوبِ وَسِيَاسَةِ الْعِيَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ الْقِيمَةَ مُطلقًا مُحْتَاجا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ) الْحَدِيثَ وَقِيَاسًا لِلْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ قِيمَةً لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ الْمُقَوَّمِ وَهَذَا مَعْنًى عَامٌّ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَوْرِدَ الْحَدِيثِ فِي الْعَبْدِ وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَمِثْلُهُ مُتَعَذَّرٌ لِتَعَلُقِّ الْغَرَضِ بِخُصُوصِهِ بِخِلَافِ الْمَكِيلَاتِ وَنَحْوِهَا لَا يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِخُصُوصِهَا فَقَامَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ مَقَامَ الْآخَرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ رَدُّ عَيْنِ الْهَالِكِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ) تَعَذَّرَ ذَلِكَ وَالْمِثْلُ أَقْرَبُ لِلْأَصْلِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْجِنْسِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ وَالْقِيمَةُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْمَالِيَّةُ فَكَانَ الْمِثْلُ أَوْلَى إِذَا لَمْ يُفَوِّتْ غَرَضًا وَالْقِيمَةُ أَوْلَى حَيْثُ يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِخُصُوصِ الْهَالِكِ فَالْقِيمَةُ تَأْتِي عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute